فيا لها من مصيبة خصّت الأقربين ، وعمّت جميع المسلمين ما أصيبوا بمثلها قبلها ، ولن يعاينوا بعد أختها.
فلما مضى لسبيله صلىاللهعليهوآله تنازع المسلمون الأمر بعده ، فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بيته ، ولا أنهم منحّوه عنّي من بعده. فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه ... ورأيت أني أحق بمقام رسول الله في الناس ممن تولى الأمر من بعده ، فأمسكت يدي ... ولبثت بذلك ما شاء الله.
حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين الله وملة محمد وإبراهيم عليهماالسلام ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أرى فيه ثلما وهدما ، تكون مصيبته أعظم عليّ من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشّع السحاب.
فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت (كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا)(١).
ورواه الطبريّ الإمامي (ق ٤ ه) في «المسترشد» عن الشعبي عن شريح بن هاني (٢) : أنه بعد ما افتتحت مصر (بقتل محمد بن أبي بكر) سئل عن علة قعوده وبيعته لأبي بكر .. فقال : لو قاتلتم عدوّكم كان أصلح لكم من مسألتي عنها ... ثم قال : وإني مخرج إليكم كتابا.
__________________
(١) التوبة : ٤٠ ، والخبر في الغارات ١ : ٣٠٢ ـ ٣٠٦ ، وعنه المعتزلي في شرح النهج ٦ : ٩٤. ورواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١ : ١٥٤ بلا اسناد ، وكذلك الشريف الرضي في نهج البلاغة ، الخطبة ٦٢.
(٢) انظر ترجمته في قاموس الرجال ٥ : ٤٠٩.