ثم قام من بني بحسرّ من طيّئ سعيد بن عبيد الله فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنّ من الناس من قدر أن يعبّر بلسانه عمّا في قلبه ، ومنهم من لا يقدر أن يبيّن ما يجده في نفسه بلسانه ، فإنّ تكلّف ذلك شق عليه ، وإن سكت عمّا في قلبه برح به الهمّ والبرم. وإني والله ما كل ما في نفسي أقدر أن اؤدّيه إليك بلساني ، ولكن والله لا جهدنّ على أن ابيّن لك ، والله وليّ التوفيق : أما أنا فإني ناصح لك في السرّ والعلانية ومقاتل معك الأعداء في كل موطن ، وأرى لك من الحق ما لم أكن أراه لمن كان قبلك ، ولا لأحد اليوم من أهل زمانك ، لفضيلتك في الإسلام وقرابتك من الرسول ، ولن افارقك أبدا حتى تظفر ، أو أموت بين يديك.
قال أمير المؤمنين : يرحمك الله ، فقد أدّى لسانك ما يكنّ ضميرك لنا ، ونسأل الله أن يرزقك العافية ويثيبك الجنة.
ثم ارتحل أمير المؤمنين واتبعه منهم ستمائة رجل ، حتى نزل ذاقار بألف وثلاثمائة رجل (١).
ابن عباس وابن أبي بكر إلى الكوفة :
قال أبو مخنف : فبعد وصول المحلّ الطائي بكتاب هاشم المرقال في الربذة دعا عبد الله بن العباس ومحمد بن أبي بكر فأرسلهما إلى أبي موسى بكتاب قال فيه :
من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس ، أما بعد ، يا ابن الحائك (٢)! فو الله إني كنت أرى أن بعدك من هذا الأمر ـ الذي لم يجعلك الله له أهلا ولا جعل لك فيه نصيبا ـ سيمنعك من ردّ أمري والانتزاء (الوثوب) عليّ ، وقد بعثت إليك
__________________
(١) أمالي المفيد : ٢٩٥ ، الحديث ٦ ، م ٣٥ ، وعنه في أمالي الطوسي : ٧٠ ، الحديث ١٠٣.
(٢) هنا زيادة : يا عاضّ أير أبيه ، وليست في رواية المفيد : ٢٤٣ وهي وإن كان يستحقها الأشعري ولكنّها بعيدة عن عفّة كلام الإمام عليهالسلام فهو قد يلعن ولا يفحش.