فقال : ذلك بيننا وبينكم!
قال : فانصرفت إلى عائشة وهي في هودج مدفّف بالدروع على جملها عسكر ، والقاضي كعب بن سور آخذ بخطامه ، وحولها الأزد وضبّة ، فلما رأتني قالت : ما الذي جاء بك يا ابن عباس؟ والله لا سمعت منك شيئا! ارجع إلى صاحبك فقل له : ما بيننا وبينك إلّا السيف! فصاح من حولها : ارجع يا ابن عباس لا يسفك دمك!
فرجعت إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فأخبرته الخبر وقلت له : ما تنتظر؟ والله ما يعطيك القوم إلّا السيف ؛ فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليك. فقال : نستظهر بالله عليهم.
فو الله ما رمت من مكاني حتى طلع عليّ نشابهم كأنه جراد منتشر!
فقلت : يا أمير المؤمنين ؛ أما ترى إلى ما يصنع القوم؟! مرنا ندفعهم.
فقال : حتى أعذر إليهم ثانية.
وكرّر الإعذار بكلام الجبّار :
ثم نادى : من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليهم ، وهو مقتول ، وأنا ضامن له على الله الجنة؟! فقام غلام حدث السنّ من عبد القيس يقال له مسلم عليه قباء أبيض فقال له : يا أمير المؤمنين ، أنا أعرضه عليهم ، وقد احتسبت نفسي عند الله تعالى. فكأنّه أشفق عليه فأعرض عنه وكرّر نداءه ، فكرّر مسلم استعداده لذلك ، فأعرض عليّ عليهالسلام عنه وكرّر نداءه ثالثة فلم يقم غير الفتى! فدفع إليه المصحف وقال له : امض إليهم واعرضه عليهم وادعهم إلى ما فيه.
فذهب الغلام ـ وأمه حاضرة ـ حتى وقف بإزاء صفوف القوم فنشر مصحفه وقال لهم : هذا كتاب الله عزوجل ، وأمير المؤمنين يدعوكم إلى ما فيه.