ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة ، والله يعلم أنهما أرادا الغدرة ، فجدّدت عليهم العهد في الطاعة ، وأن لا يبغيا للامّة الغوائل ، فعاهداني ، ثم لم يفيا لي ونكثا بيعتي ونقضا عهدي.
فعجبا لهما من انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين ولو شئت أن أقول لقلت. اللهم احكم عليهما بما صنعا في حقّي وصغّرا من أمري ، وظفّرني بهما (١).
وخطبة اخرى في هذا المعنى :
وروى المدائني بسنده عن عبد الله بن جنادة قال : رحلت في أول إمارة عليّ من الحجاز اريد العراق فمررت بمكة معتمرا ، ثم قصدت المدينة فدخلت مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا نودي : الصلاة جامعة. فاجتمع الناس وخرج عليّ متقلدا سيفه ، فشخصت الأبصار نحوه ، فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله ثم قال :
أما بعد ، فإنه لما قبض الله نبيّه قلنا نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس ، لا ينازعنا سلطانه أحد ولا يطمع في حقّنا طامع ، إذ انبرى لنا قومنا (المهاجرون من قريش) فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الإمرة لغيرنا وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ويتعزّز علينا الذليل! فبكت الأعين منّا لذلك وخشنت الصدور وجزعت النفوس! وأيم الله لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، وأن يعود الكفر ويبور الدين ، لكنّا على غير ما كنّا لهم عليه!
__________________
(١) الإرشاد ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥.