كتابه عليهالسلام إلى ابن حنيف :
وكأن الثوّار البصريّين كانوا قد رجعوا إلى البصرة ، وعليها الوالي الجديد عثمان بن حنيف الأنصاري ، وبلغهم أن رجلا من أغنيائها أعدّ له مأدبة طعام ودعا معه أمثاله من الأغنياء إليها ، فكان ذلك مشابها لما كان عليه عامل عثمان عبد الله بن عامر وعلى خلاف ما يتوقّعون ، فأبلغوا ذلك عليا عليهالسلام ، فكتب إليه :
أما بعد ، يا ابن حنيف ، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها ، تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان! وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعوّ. فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ألا وإن لكلّ مأموم إماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد ، فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا ولا ادّخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا ، ولا أخذت منه إلّا كقوت أتان دبرة ، ولهي في عيني أهوى وأهون من عفصة مقرة (ورقة مرّة).
بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلّته السماء ، فشحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله! وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانّها في غد جدث ، تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها ، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعته يدا حافرها ، لأضغطها الحجر والمدر ، وسدّ فرجها التراب المتراكم. وإنما هي نفسي اروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق.
ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ،