ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع! أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى (جوعى) وأكباد حرّا (عطشى) أو أكون كما قال القائل :
وحسبك داء أن تبيت ببطنة |
|
وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ |
(أي تميل إلى اللحم المجفّف البائت) أأقنع من نفسي بأن يقال لي : أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش (خشونتها) فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها ، تكترش من أعلافها وتلهو عمّا يراد بها ، أو أترك سدى ، أو أهمل عابثا ، أو أجرّ حبل الضّلالة ، أو اعتسف (أتكلّف) طريق المتاهة!
وكأنّي بقائلكم يقول : إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشّجعان ؛ ألا وإن الشجرة البريّة أصلب عودا ، والروائع الخضرة أرقّ جلودا ، والنابتات العذية (بالمطر) أقوى وقودا وأبطأ خمودا ، وأنا من رسول الله كالضّوء من الضّوء والذراع من العضد؟ والله لو تظاهرت العرب على قتالى لما ولّيت عنها ، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها ، وسأجهد في أن اطهّر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس (معاوية) حتى تخرج المدرة من حبّ الحصيد (١).
فيعلم منه أنه كان بعد انتشار أخبار معاوية بالاعتراض على علي عليهالسلام وحين استعداده لمقابلته وقبل انتشار أخبار أصحاب الجمل ، وقد مرّ الخبر عن المفيد : أنه عليهالسلام كتب إلى ابن حنيف بالبصرة : أن يندب الناس لغزو الشام ، فكان على علم بذلك. وكأنّه عليهالسلام أجاب ضمنا عن علة عدم استرداده لفدك أيضا.
__________________
(١) نهج البلاغة ، كتاب : ٤٥.