وصلّى وخطب وأثنى وعتب :
وقدم علي عليهالسلام إلى الكوفة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من رجب ، وقد أعزّ الله نصره وأظهره على عدوّه ، ومعه أشراف الناس وأهل البصرة ، واستقبله أهل الكوفة وفيهم قرّاؤهم وأشرافهم ، حتى نزل في رحبة المسجد الجامع ، وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلّى فيه ركعتين.
ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله وقال : «الحمد لله الذي نصر وليّه وخذل عدوّه ، وأعزّ الصادق المحق وأذلّ الناكث المبطل.
أما بعد ـ يا أهل الكوفة ـ فإنّ لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدّلوا وتغيّروا ، بدأتم بالمنكر فغيّرتم ودعوتكم إلى الحق فأجبتم ، إلّا أن فضلكم فيما بينكم وبين الله [لا] في القسم والأحكام ، فأنتم اسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه.
ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم (اثنتان) : إتباع الهوى وطول الأمل ، فأما اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
ألا وإن الدنيا قد ترحّلت مدبرة ، والآخرة قد ترحّلت مقبلة ، ولكل منها بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة (ولا تكونوا من أبناء الدنيا) فاليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل (١). وعليكم بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيّكم ، الذين هم أولى بطاعتكم ـ فيما أطاعوا الله فيه ـ من المنتحلين المدّعين القالين لنا ، يتفضّلون بفضلنا ، ويجاحدونا أمرنا ، وينازعونا حقّنا ويدافعونا عنه ، وقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيّا.
ألا إنه قد قعد عن نصرتي رجال منكم فأنا عليهم عاتب زار ، فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا (٢) ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة».
__________________
(١) إلى هنا في نهج البلاغة خ ٤٢ ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٨.
(٢) أعتب أي قطع ما يعتب عليه.