وكان أبو بردة بن عوف الأزدي عثمانيا قد تخلّف عن الجمل فقام إليه وقال له :
يا أمير المؤمنين! أرأيت القتلى حول عائشة والزبير وطلحة بم قتلوا؟!
فقال أمير المؤمنين : إنهم قاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي قالوا لهم : لا ننكث كما نكثتم ولا نغدر كما غدرتم ، فوثبوا عليهم فقتلوهم ، فسألتهم أن يدفعوا إليّ قتلة إخواني أقتلهم بهم ، ثم كتاب الله حكم بيني وبينهم ، فأبوا عليّ وقاتلوني ، فقتلتهم بهم ، أو أنت في شك من ذلك؟!
قال : قد كنت في شك ، فأمّا الآن فقد عرفت واستبان لي خطأ القوم ، وأنك أنت المهديّ المصيب (١).
وكان أمير المؤمنين قد جعل على شرطته في الكوفة مالك بن حبيب اليربوعي التميمي فقام إليه وقال له : والله إني لأرى الهجر وإسماع المكروه لهم قليلا ولئن أمرتنا لنقتلنّهم!
فقال علي عليهالسلام : سبحان الله! يا مال جزت المدى وعدوت الحدّ وأغرقت في النزع!
فقال مالك : يا أمير المؤمنين لبعض الغشم (والظلم) أبلغ من مهادنة الأعادي.
فتلا علي عليهالسلام : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)(٢) والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك ، فقد نهى الله عنه فما بال الغشم؟!
وقام رجال من المتخلّفين عنه ليكلّموه وتهيّأ هو لينزل فلما رأوا ذلك جلسوا وسكتوا ، ثم تحوّل فجلس ، وجلس الناس إليه ، فسألهم ، عن رجل من أصحابه
__________________
(١) ولكنّه بقي عثمانيا يكاتب معاوية.
(٢) الإسراء : ٣٣.