إثارة الزبير لعائشة :
سار طلحة والزبير إلى مكة بمن تبعهما من أولادهما وخاصّتهما (١) ، واعتمرا فطافا وصلّيا وسعيا. ثم إنّ محمد بن طلحة وإن كان تيميا من أبناء أعمام عائشة ولكنه غير محرم لها ، ولكن عبد الله بن الزبير ابن أسماء بنت أبي بكر اخت عائشة ، فهو ابن اختها وهي خالته فهو محرم لها ، ولذا فإن الزبير دعاه وقال له : امض إلى خالتك وقل لها : إن طلحة والزبير يقرئانك السلام ويقولان لك : إن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما! وإنّ علي بن أبي طالب ابتزّ الناس أمرهم وغلبهم عليه بالسفهاء الذين تولّوا قتل عثمان! ونحن نخاف انتشار الأمر به (ونروم الخروج عليه) فإن رأيت أن تسيري معنا لعلّ الله أن يرتق بك فتق هذه الامّة ويشعب بك صدعهم ويلمّ بك شعثهم ويصلح بك أمورهم!
فأتاها عبد الله وبلّغها ما أرسلاه به.
فقالت له : يا بنيّ ، إني رجعت إلى مكة لأعلم الناس ما فعل بإمامهم عثمان ، وأنه أعطاهم التوبة فقتلوه تقيّا نقيّا بريّا! وليروا في ذلك رأيهم ويسيروا إلى من ابتزّهم أمرهم وغصبهم من غير مشورة من المسلمين ولا مؤامرة! بل بتكبّر وتجبّر! يظن أن الناس يرون له حقا كما كانوا يرونه لغيره! هيهات هيهات! يظنّ ابن أبي طالب أن يكون في هذا الأمر كابن أبي قحافة ؛ لا والله! ومن في الناس مثل ابن أبي قحافة ، تخضع له الرقاب ويلقى إليه المقاد! وليها والله ابن أبي قحافة فخرج منها كما دخل. ثم وليها أخو بني عدي (عمر) فسلك طريقه ، ثم مضيا ، فوليها ابن عفّان ، فركبها رجل له سابقة ومصاهرة برسول الله وأفعال مع النبيّ مذكورة لا يعمل أحد من الصحابة مثل ما عمله في ذات الله! (ولكنّه)
__________________
(١) وكان ذلك بعد مقتل عثمان بأربعة أشهر ، عن الزهري في أنساب الأشراف ٢ : ٢١٩.