... فاعدل ـ أبا عبد الرحمن ـ زمام راحلتك إلى محجّة الحق ، واستوهب العافية لأهلك ، واستعطف الناس على قومك؟ وهيهات من قبولك ما أقول حتى يفجّر مروان ينابيع الفتن تتأجّج في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الأبطال تعتذران بالقدر! ولبئس العاقبة الندامة ، وعمّا قليل يضح لك الأمر. أما أنا فأتوسد الإسلام واستشعر العافية فلا على بني أمية ولا لهم ، أجعل الحزم داري والبيت سجني ، والسلام.
معاوية والوليد بن عقبة :
وكتب معاوية إلى الوليد بن عقبة : يا ابن عقبة ، لين العيش وطيب الخيش أطيب من سفع سموم الجوزاء عند اعتدال الشمس في افقها! إن عثمان أخاك أصبح بعيدا منك! فاطلب لنفسك ظلا تستكن به! إني أراك راقدا على الترات! وكيف بالرقاد بك لا رقاد لك! فلو قد استتبّ هذا الأمر لمريده ألفيت كالنعام الشريد يفزع من ظل الطائر ، وعن قليل تشرب الرنق وتستشعر الخوف ، وأراك فسيح الصدر مسترخى اللبّ رخو الحزام قليل الاكتراث ، وعن قليل يجتث أصلك! والسلام.
فكتب الوليد جوابه : أما بعد ، فإنك أسد قريش عقلا وأحسنهم فهما وأصوبهم رأيا ، معك حسن السياسة وأنت موضع الرئاسة ، تورد بمعرفة وتصدر عن منهل رويّ ، مناوئك كالمنقلب من العيّوق ، يهوي به عاصف الشمال إلى لجّة البحر. كتبت إليّ تذكر طيب الخيش ولين العيش ، فملء بطني حرام عليّ إلّا مسكة الرّمق ، حتى أقطع أوداج قتلة عثمان قطع الجلود بحدّ الشفار! وأما اللين ، فهيهات إلّا خيفة المرتقب يرتقب غفلة الطالب ، إنّا على مداجاة ، ولمّا تبد صفحاتنا بعد ، وليس دون الدم بالدم مناص ، فإن العار منقصة! والضعف ذل ، أيخبط قتلة عثمان زهرة الحياة الدنيا ويسقون برد المعين ، ولما يمتطوا الخوف ويلحسوا الحذر ... لا دعيت