فما هكذا كانت وصاة نبيّكم |
|
وما هكذا الإنصاف أعظم بذا المثل |
فهل بعد هذا من مقال لقائل |
|
ألا قبّح الله الأمانيّ والعلل |
فقام النجاشي شاعر الكوفة فأنشأ يقول :
رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا |
|
عليا وأبناء النبيّ محمد |
وقلنا لهم : أهلا وسهلا ومرحبا |
|
نمدّ يدينا من هوى وتودّد |
فمرنا بما ترضى ، نجبك إلى الرضا |
|
بصمّ العوالي والصفيح المهنّد |
وتسويد من سوّدت غير مدافع |
|
وإن كان من سوّدت غير مسوّد |
فإن نلت ما تهوى فذاك نريده |
|
وإن تخط ما تهوى فغير تعمّد |
فلما سكتوا قام أبو موسى فخطب فقال : أما بعد فإن الله حرّم دماءنا وأموالنا فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) ... (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً)(١) وقال : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها)(٢).
خطاب الأشعري وشعوره :
قال المفيد : فلما فرغ القوم من كلامهم قام أبو موسى الأشعري فقال : أيها الناس ، أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب ، يأوي إليكم المظلوم ويأمن فيكم الخائف ، إنا ـ أصحاب محمد ـ أعلم بما سمعنا : «الفتنة إذا أقبلت أشبهت وإذا أدبرت أسفرت» وإن هذه فتنة نافذة كداء البطن تجري بها الشمال والجنوب والصّبا والدّبور ، وتنكب أحيانا فلا يدرى من أن تأتي.
شيموا سيوفكم ، وقصّروا رماحكم ، وقطّعوا أوتاركم والزموا البيوت.
__________________
(١) النساء : ٢٩.
(٢) النساء : ٩٣ ، والخبر في أمالي الطوسي : ٧١٨ ـ ٧٢٠ الحديث ١٥١٨ ، وراجع وقارن بالجمل للمفيد : ٢٤٣ ـ ٢٤٧ ، والإمامة والسياسة ١ : ٦٥ ـ ٦٨.