فروى الطوسي عن أبي غانم المعلّم الأعرج البغدادي قال : إنّ عائشة بنت طلحة (التيمي) دخلت على فاطمة عليهاالسلام فرأتها تبكي فقالت لها : بأبي أنت وأمّي ، ما الذي يبكيك؟ فقالت :
أسائلتي عن هنة حلّق بها الطائر ، وحفى بها السائر ، ورفعت إلى السماء أثرا ، ورزئت في الأرض خبرا؟! إن قحيف تيم وأحيوك عديّ جاريا أبا الحسن في السباق حتى إذا تقربا بالخناق ، أسرّا له الشنئان وطويا عنه الإعلان ، حتى خبا نور الدين وقبض النبيّ الأمين ، فنطقا بفورهما ونفثا بسورهما ، وأدلّا بفدك ، فيا لها تلك من ملك ؛ إنّها عطيّة الربّ الأعلى للنجيّ الأوفى ، ولقد نحلنيها للصبيّة السواغب من نسله ونسلي ، وإنها لبعلم الله وشهادة أمينه ، فإن انتزعا منّي البلغة ومنعاني اللّمضة ، واحتسبتها يوم الحشر زلفة ، فليجدنّها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم (١)!
موقف الأنصار :
مرّ علينا في خطبة فاطمة عليهاالسلام استنصارها من أنصار أبيها وتذكيرها إياهم به صلىاللهعليهوآله ، قالت : معشر النقيبة وحضنة الإسلام ... أتقولون : مات محمد صلىاللهعليهوآله؟! فخطب جليل استوسع وهنه ، واستهتر فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، واكتأبت خيرة الله لمصيبته ، واكدت الآمال وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم وازيلت الحرمة بموت محمد ، فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله هتافا ، ولقبل ما خلت به أنبياء الله ورسله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(٢) ...
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٢٠٤ ، الحديث ٣٥٠.
(٢) آل عمران : ١٤٤.