وأقبلت عائشة على جملها فنادت بصوت مرتفع : أيها الناس أقلّوا الكلام واسكتوا! فأسكت لها الناس ، فقالت (١) :
أمّا بعد ، فإنّ عثمان بن عفّان كان قد غيّر وبدّل ، ثم لم يزل يغسله بالتوبة حتى صار كالذهب المصفّى! فعدوا عليه وقتلوه في داره! وقتلوا اناسا معه ظلما وعدوانا! وإنا قد غضبنا لكم من سوطه فكيف لا نغضب لعثمان من السيف؟!
ثم آثروا عليا فبايعوه من غير ملأ من الناس ولا شورى ولا اختيار! فابتزّ ـ والله ـ أمرهم! وكان المبايع له يقول : «خذها إليك واحذرن أبا حسن» ألا وإن الأمر لا يصح حتى يردّ إلى ما صنع عمر من الشورى ، ثم لا يدخل فيه أحد ممّن سفك دم عثمان! ثم سكتت (٢).
فماج الناس واختلطوا ، فقائل : القول ما قالت ، وقائل : ما هي وهذا الأمر إنما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها! وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تراموا بالحصى وتضاربوا بالنعال! وحتى افترقوا فريقين (٣).
المقابلة الأولى :
وعمد أنصار ابن حنيف إلى أن يسدّوا عليهم أفواه السكك ، فلما توجه طلحة والزبير من المربد يريدان دار الإمارة وجدا أصحاب ابن حنيف قد أخذوا عليهم أفواه السكك ، فمضوا حتى انتهوا إلى موضع الدبّاغين فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف فطاعنهم طلحة والزبير وأصحابهما بالرماح ، فحمل عليهم حكيم بن
__________________
(١) شرح النهج للمعتزلي ٩ : ٣١٤ ـ ٣١٥.
(٢) الجمل للمفيد : ٢٧٩.
(٣) المصدر الأسبق.