فلما دخلا المدينة أخرج العبسي الطومار وقبض على طرفه ورفعه لينظر الناس إليه ، حتى دخل على عليّ فدفع إليه الطومار ففضّ خاتمه فلم يجد فيه كتابة إلّا : من معاوية إلى علي! مقدّما اسمه على اسمه! فقال للرسول : ما وراءك؟ قال : أنا آمن؟ قال : نعم ، إن الرسل آمنة لا تقتل. فقال : قد تركت ورائي ستين ألف شيخ وقد نصب لهم قميص عثمان على منبر دمشق وهم يبكون تحته ولا يرضون إلّا بالقصاص منك! قال : أمنّي يطلبون دم عثمان! ثم رفع يديه وقال : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان! اخرج وأنت آمن ، فخرج وقد علم الناس بأمره.
ثم كتب إلى عثمان بن حنيف الأنصاري بالبصرة ، وإلى أبي موسى الأشعري بالكوفة ، وإلى قيس بن سعد بن عبادة بمصر أن يندبوا الناس لغزو الشام.
وخطب أهل المدينة فقال : إن الله بعث رسولا هاديا مهديا بكتاب ناطق ، وأمر قائم واضح لا يهلك عنه إلّا هالك ، وإنّ المبتدعات والشبهات هنّ المهلكات إلّا من حفظ الله ، وإن في سلطان الله عصمة أمركم ، فأعطوه طاعتكم غير ملتوية ولا مستكره بها ، والله لتفعلنّ أو لينقلنّ الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز الأمر (أو الإيمان) إليها. انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون أن يفرّقوا جماعتكم ، لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليكم (١).
موقف عائشة :
قال المفيد : أجمع رواة الآثار ونقلة السير والأخبار : أنه لما قتل عثمان وسمعت بذلك عائشة في مكة ، استبشرت بقتله وقالت : إنه أحرق كتاب الله وأمات سنة رسول الله فقتله الله ، قتلته أعماله ، وسألت الناعي : ومن بايع الناس؟ وكان الناعي
__________________
(١) الطبري ٤ : ٤٤٤ ـ ٤٤٦ عن سيف!