أما بعد ، فإنه لما كثر الخطّاءون وتمرّد الجاحدون ، فزعنا إلى آل نبيّنا الذين بهم ابتدينا بالكرامة وهدينا من الضلالة ، فالزموهم رحمكم الله ودعوا من أخذ يمينا وشمالا ، فإنّ اولئك في غمرتهم يعمهون وفي ضلالهم يتردّدون (١).
ولما بلغه اجتماعهم على حربه قام في الناس خطيبا قبل القتال بيوم ، فحمد الله وأثنى وصلّى ثم قال :
«أيها الناس! إن طلحة والزبير قدما البصرة وقد اجتمع أهلها على طاعة الله وبيعتي ، فدعواهم إلى معصية الله وخلافي ، فمن أطاعهما منهم فتنوه ومن عصاهما قتلوه! وقد كان من قتلهما حكيم بن جبلة والسيابچة ما بلغكم ، ومن فعالهما بعثمان بن حنيف ما لم يخف عنكم. وقد كشفوا الآن القناع وآذنوا بالحرب ، وقام طلحة بالشتم والقدح في أديانكم ، وقد أرعد هو وصاحبه وأبرقا ، وهذان أمران معهما الفشل ، ولسنا نرعد حتى نوقع ولا نسيل حتى نمطر ، وقد خرجوا من هدى إلى ضلال ، دعوناهم إلى الرضا ودعونا إلى السخط ، فحلّ لنا ولكم ردّهم إلى الحق بالقتال ، وحلّ عليهم القتل بالقصاص منهم ، وقد والله مشوا إليكم ضرارا وأذاقوكم أمسّ من الجمر!
فإذا لقيتم القوم غدا فأعذروا في الدعاء وأحسنوا البقيّة واستعينوا الله واصبروا إن الله مع الصابرين» (٢).
الإعذار قبل الإعصار :
قال المفيد : فلما كان غداة الخميس لعشر مضين من جمادى الأولى ، سار بالناس إلى القوم حتى وقف ونادى بهم : لا تعجلوا حتى أعذر إلى القوم.
__________________
(١) المفيد في الجمل : ٣٣٤ ـ ٣٣٥.
(٢) الجمل للمفيد : ٣٣١ ونقل سطرا منها الرضي في نهج البلاغة ، الخطبة ٩ ، وفي الفتوح ١ : ٤٦٩ وعن الواقدي.