فقال عليهالسلام : يا حارث! إنه ملبوس عليك ، إن الحق والباطل لا يعرفان بالناس ، ولكن اعرف الحق تعرف أهله ، واعرف الباطل تعرف من أتاه (١).
وكأنّ الأحنف بن قيس ساءه أنه تخلّف عن الإمام عليهالسلام فلحقه بالبصرة وأبدى له أنه على بصيرة من أمره مقتد به وأنه من الصالحين من شيعته ، فكان في كلام الإمام معه أخباره ببعض الملاحم الآتية على البصرة من أصحاب الزنج والمغول والتتار ، وكان يحضرهم رجل من كلب فقال له : يا أمير المؤمنين! لقد أعطيت علم الغيب! فضحك وقال له :
يا أخا كلب ، إنما علم الغيب : ما عدّده الله سبحانه بقوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(٢) فيعلم الله ما في الأرحام من ذكر أو انثى ، وقبيح أو جميل ، وسخيّ أو بخيل ، وشقيّ أو سعيد ، ومن يكون في النار حطبا أو في الجنان للنبيّين مرافقا ، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلّا الله ، وما سوى ذلك فعلم علّمه الله نبيّه فعلمنيه ، ودعا لي بأن يعيه صدري ، وتضطمّ عليه جوانحي (٣).
علي عليهالسلام والغلوّ فيه :
أرض البصرة كان العرب يسمّونها : أرض الهند ، ومرّ أن السيابجة قوم من الهنود السود فسمّوا بالفارسية : (سياه بچّه) أي الأولاد السّود ، وكان قد أسلم
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٠ ، والرضي في نهج البلاغة ، الخطبة ٢٦٢ ، والطوسي في الأمالي : ١٣٤ ، الحديث ٢١٦ ، عن المفيد وليس في أماليه ، وأنساب الأشراف ٢ : ٢٣٨ ، الحديث ٢٦٩ ، عن أبي مخنف.
(٢) لقمان : ٣٤.
(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٢٨ ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٨٧.