ولقد بايعه هذان الرجلان وهما ما يريدان الله ، فاستعجلا الفطام قبل الرضاع ، والرضاع قبل الولادة ، والولادة قبل الحمل وطلبا ثواب الله من عباد الله! وقد زعما أنهما بايعا مستكرهين! فإن كانا استكرها قبل بيعتهما وكانا رجلين من عرض قريش فلهما أن يقولا ذلك!
ألا وإن الهدى ما كانت عليه العامة ، والعامة على بيعة علي ، فما ترون أيها الناس؟» وسكت.
فقام حكيم بن جبلة العبدي فقال له : إن دخلا علينا قاتلناهما ، وإن وقفا تلقّيناهما. والله لا ابالي أن اقاتلهما وحدي وإن كنت أحبّ الحياة (ولكن) ما أخشى في طريق الحق وحشة! ولا غيرة ولا غشّا ، ولا سوء منقلب إلى البعث ، وإنها لدعوة قتيلها شهيد وحيّها فائز ، والتعجيل إلى الله قبل الأجر خير من التأخير في الدنيا ، وهذه ربيعة معك (١).
ثم التفت إلى من حضره منهم فقال لهم : يا معشر عبد القيس ، إن عثمان بن حنيف دمه مضمون ، وأمانته مؤدّاة ، وايم الله لو لم يكن أميرا علينا لمنعناه (حفظناه) لمكانته من رسول الله ، فكيف وله الولاية والجوار ، فأشخصوا بأبصاركم وجاهدوا عدوّكم ، فإما أن تموتوا كراما أو تعيشوا أحرارا (٢)!
وبلغوا المربد وخطبوا الناس :
وكان كما أمرهم الزبير ، فقبل أن يمسيهم هؤلاء صبّحهم اولئك في مربد بلدهم (٣)
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ٦٣ ـ ٦٤.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ٦٩.
(٣) كانت مربد الإبل للبلد ثم صارت محلة عظمى من البصرة ثم خربت. معجم البلدان ٥ : ٩٨.