ونقل المعتزلي عن «كتاب الجمل» لأبي مخنف قال : اجتمع أهل البصرة إلى المربد مشاة وركبانا حتى ملئوه (١) فروى ابن الخياط عن العطاردي قال : رأيت طلحة قد غشيه الناس وهو على دابّته يناديهم : أيها الناس أتنصتون؟ وهم يركبونه ولا ينصتون ، فقال : اف اف! فراش نار وذبّان طمع (٢)! ثم قام طلحة فأشار إلى الناس بالسكوت ليخطب ، فسكتوا بعد جهد ، فقال :
«أما بعد ، فإن عثمان بن عفّان كان من أهل السابقة والفضيلة ، ومن المهاجرين الأولين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ونزل القرآن ناطقا بفضلهم ، وأحد أئمة المسلمين الوالين عليكم بعد أبي بكر وعمر صاحبي رسول الله. وقد كان أحدث أحداثا نقمناها عليه فأتيناه فاستعتبناه فأعتبنا (قبل عتابنا) فعدا عليه امرؤ ابتزّ هذه الأمة أمرها غصبا بغير رضا منها ولا مشورة فقتله! وساعده على ذلك قوم غير أتقياء ولا أبرار! فقتل محرما (كذا) تائبا بريئا!
وقد جئناكم أيها الناس نطلب بدم عثمان وندعوكم إلى الطلب بدمه ، فنحن إن أمكننا الله من قتلته قتلناهم به! وجعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين ، وكانت خلافة رحمة للامة جميعا ، فإنّ كلّ من أخذ الأمر من غير رضا من العامة ولا مشورة منها ابتزازا كان ملكه عضوضا وحدثا كبيرا!» ثم سكت ، ثم تكلم الزبير بمثله ثم سكت.
فناداهما اناس قالوا : ألم تبايعا عليّا فيمن بايعه؟ ففيم بايعتما ثم نكثتما؟
فقالا : ما بايعنا وما لأحد في أعناقنا بيعة ، وإنما استكرهنا على بيعته!
فقال بعضهم : صدقا وأحسنا ونطقا بالصواب! وقال آخرون : ما صدقا ولا أصابا!
__________________
(١) شرح النهج للمعتزلي ٩ : ٣١٤.
(٢) تاريخ ابن الخياط : ١٠٩.