تسيير أبي ذر إلى الربذة :
هذا ، وقال اليعقوبي : إنّ أبا ذر بعد تلك الجلسة أقام بالمدينة أياما ، ثم أرسل إليه عثمان وقال له : والله لتخرجنّ عنها! قال : أتخرجني من حرم رسول الله؟ قال :
نعم ، وأنفك راغم! قال : فإلى مكة؟ قال : لا ، قال : فإلى البصرة؟ قال : لا! قال : فإلى الكوفة؟ قال : لا ، ولكن إلى الربذة (١) التي خرجت منها ، حتى تموت بها!
وكان مروان حاضرا فالتفت إليه وقال له : يا مروان! أخرجه ولا تدع أحدا يكلّمه!
فحضر مروان على ناقة ومعه جمل ليحمله وأهله ، وحضر علي عليهالسلام ومعه الحسنان وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر ليشيّعوه ، فلما بصر أبو ذر بعليّ عليهالسلام ومعه الحسنان قام إليه فقبّل يده وبكى وقال : إني إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول الله فيكم فلا أصبر حتى أبكي. فبدأ علي عليهالسلام يكلمه فقال له مروان وهو على ناقته : إنّ أمير المؤمنين قد نهى أن يكلّمه أحد! فرفع عليّ سوطه وضرب به وجه ناقته وقال له : تنحّ! نحّاك الله إلى النار! فحمل مروان أبا ذر وامرأته وابنته على الجمل وسيّرهم ، فشيّعه علي عليهالسلام وكلّمه وكلّمه كل واحد منهم (٢).
وقال المسعودي : إن عثمان لما قال لأبي ذر : وار وجهك عنّي ، قال أبو ذر : فأسير إلى مكة؟ قال : لا والله ، قال : فتمنعني عن بيت ربي أعبده فيه حتى أموت؟ قال : إي والله ، قال : فإلى الشام؟ قال : لا والله ، قال البصرة؟ قال : لا والله ، فاختر غير هذه البلدان. قال : لو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئا من البلدان ، ولا والله ما أختار غير ما ذكرت لك ، فسيّرني حيث شئت من البلاد. قال :
__________________
(١) كانت من قرى المدينة على طريق فيد إلى مكة قرب ذات عرق على ثلاثة أميال من المدينة ، كما في مجمع البحرين ٣ : ١٨٠ ، بل على ثلاثة أيام كما في معجم البلدان ٣ : ٢٤.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٢ وقال : بكلام يطول شرحه.