لا تقل كذّاب ، فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ : فقال الصحابة الحضور : صدق أبو ذر ، وقد سمعنا هذا من رسول الله! فعند ذلك بكى أبو ذر وقال لهم : ويلكم ، كلكم قد مدّ عنقه إلى هذا المال! ظننتم أني أكذب على رسول الله! لقد خلّفت حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآله في هذه الجبّة وهو عني راض ، وأنتم قد أحدثتم أحداثا كثيرة ، فالله سائلكم عن ذلك ولا يسألني.
فقال عثمان : يا أبا ذر ، أسألك بحق رسول الله إلّا ما أخبرتني عن شيء أسألك عنه :
فقال أبو ذر : والله لو لم تسألني بحق محمد رسول الله أيضا لأخبرتك.
فقال : أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها؟
فقال : مكة حرم الله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت. فقال : لا ولا كرامة لك!
قال : المدينة حرم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : لا ، ولا كرامة لك! فسكت أبو ذر.
فقال عثمان : أيّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها؟ قال : الربذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام. فقال عثمان : سر إليها. قال أبو ذر : الله أكبر ، قال لي حبيبي رسول الله يوما : يا أبا ذر كيف أنت إذا قيل لك : أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها؟ فتقول : مكة ، فيقال لك : لا ، ولا كرامة لك! فتقول : المدينة ، فيقال لك : لا ، ولا كرامة لك! ثم يقال لك : فأيّ البلاد أبغض إليك؟ فتقول : الربذة ، فيقال لك : سر إليها. فقلت : وإنّ هذا لكائن ، فقال : أي والذي نفسي بيده إنه لكائن. فقلت : يا رسول الله أفلا أضع سيفي على عاتقي فأضرب به قدما قدما؟ قال : لا ، اسمع واسكت ولو لعبد حبشي (١).
__________________
(١) الخبر بطوله في تفسير القمي ١ : ٥١ ـ ٥٣ بلا إسناد ، واختصرنا بعضه ، وصدره بإسناده في قصص الأنبياء للراوندي : ٣٠٦ بتحقيق عرفانيان ، وذيله إنما يدل على التسليم دون الرضا.