وفي كتابة ورواية الحديث :
وطبيعيّ أن تناقل مثل هذه الأخبار مما لا يرغب فيه فضلا عن تدوينه ، فلعلّ مثل هذا ـ بالإضافة إلى الحفاظ على أساس الشرعية السياسية بل الدينية لخلافتهم ـ هو الذي دفع أبا بكر إلى أن :
جمع الناس .. فقال لهم : إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدّ اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا! فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه (١).
فهل في حلال كتاب الله وحرامه الحكم بعد رسول الله نصّا صريحا؟ نعم ذلك في أحاديث رسول الله وهي ما إذا حدثوا بها اختلفوا فيها ويشتد الخلاف فيها في الناس ، ولذا فلا يحدثوا عنه شيئا ، ومن سألهم عن ذلك شيئا فليقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله! ولو كان نهى عنه رسول الله (٢).
ويبدو أنه إنما عزم على هذا أخيرا بعد أن : جمع خمس مائة حديث ، وكأنه كان يريد أن يدوّنها ، ولكنه بدا له بعد ذلك فبات ليلة يتقلّب ويفكر في ذلك كثيرا ، حتى قالت عائشة : فغمّني كثيرا فقلت : يتقلّب لشكوى أو لشيء بلغه ، فلما أصبح قال : أي بنيّة ، هلمّي الأحاديث التي عندك. فجئته بها ، فأحرقها (٣).
وعلى أيّ حال ، فهذه هي بداية محاولة التضييق مهما أمكن على حديث الرسول رواية وكتابة.
__________________
(١) انظر : أبو بكر ورواية الحديث ، في كتاب : من تاريخ الحديث ، للمؤلف.
(٢) من تاريخ تدوين الحديث ، للمؤلف.
(٣) المصدر الأسبق ، والنص والاجتهاد : ١٣٩ المورد ١٤ ، وتدوين السنة الشريفة : ٢٦٣ ـ ٢٦٦ و٤٢٤ ـ ٤٢٨ ، ونصوص الحديث : ٥١.