وآجل آخرته ، ولا تكون علينا دولة إلّا كانت لنا العاقبة (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) وبعد خطبته جمّع بالناس.
وبلغ كلامه إلى أبيه ، فلما انصرف إليه ورآه سالت عبرته على خديه فاستدناه حتّى قبّل ما بين عينيه وقال له : بأبي أنت وأمي! ثم تلا قوله سبحانه : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١).
وخطب هو مرة أخرى :
ومرّة اخرى خطب هو عليهالسلام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم قال :
أيها الناس ، إن الدنيا حلوة خضرة ، تفتن الناس بالشهوات ، وتزيّن لهم بعاجلها ، وايم الله إنها لتغرّ من أمّلها ، وتخالف من رجاها ، وستورث غدا أقواما الندامة والحسرة بإقبالهم عليها وتنافسهم فيها ، وحسدهم وبغيهم على أهل الدين والفضل فيها ، ظلما وعدوانا وبغيا وأشرا وبطرا.
وبالله إنه ما عاش قوم قطّ في غضارة من كرامة نعم الله في معاش دنياه ، ولا دائم تقوى في طاعة الله والشكر لنعمه فأزال ذلك عنهم ، إلّا من بعد تغيير من أنفسهم ، وتحويل عن طاعة الله والحادث من ذنوبهم ، وقلة محافظة وترك مراقبة الله عزوجل ، وتهاون بشكر نعم الله ؛ لأن الله عزوجل يقول : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)(٢).
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٨٢ ، الحديث ١٢١ و ١٠٣ ، الحديث ١٥٩ بسنده عن ابن سيرين (م ١١٠ ه). والآيتان الأولى : ٨٨ من سورة ص ، والثانية : ٣٤ من سورة آل عمران.
(٢) الرعد : ١١.