ومن أحاديث المواريث :
مضت السنّة على أن أبا الميت يحجب أخوات الميت واخوته عن توارثهم من تركته ، ولكنهم لا يحجبون بالجدّ بل يشاركهم في السدس ، ولذا روي عن الحسن البصري : أن الجدّ قد مضت سنته ، ولكنّ أبا بكر جعل الجدّ أبا ، ثم تخيّر الناس (١) أي أن الخليفة خالف السنة في ذلك ، ثم تخيّر الناس فرجعوا إلى السنة وخالفوه في مغالاته لجانب الجد دون الإخوة.
هذا في الجدّ ، وعكس الأمر في الجدّة ، وكأنهم حرموها الإرث لجانب الرجال ، فجاءت إلى أبي بكر تسأله ميراثها ، فقال لها : ما علمت لك شيئا في كتاب الله ولا سنة رسوله ، حتى أسأل الناس. فغار لها المغيرة بن شعبة فشهد أن رسول الله أعطاها السدس ، ولعله لم يثق بالثقفيّ أو لم يكتف بشهادة العدل الواحد! وأرادها بيّنة شرعية فقال : وهل معك غيرك؟ فصدّقه محمد بن مسلمة الأنصاري ، فأنفذ لها السدس (٢).
والجدّة هنا ـ كما ترى ـ مشتركة بين الجدة للأب والجدة للأم بلا تعيين في الخبر ، ولعلها كانت الجدة للأم ، فكأن أبا بكر رأى ذلك خاصّا بها : فقد رووا عن القاسم الفقيه ابن محمد بن أبي بكر قال : أتت جدّتان إلى أبي بكر ، فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم ، وفي لفظ آخر : فأعطى الميراث (السدس) أمّ الأم دون أمّ الأب! فقال له عبد الرحمن بن سهل الحارثي : لقد أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها ، وتترك الذي لو ماتت وهو حيّ كان إياها يرث! فجعل أبو بكر السدس بينهما (٣).
__________________
(١) سنن الدارمي ٢ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، ومصادر أخر في الغدير ٧ : ١٢٩ ـ ١٣١.
(٢) الموطأ لمالك ١ : ٣٣٥ ، والمسند لأحمد ٤ : ٢٢٤ ، وساير المصادر في الغدير ٧ : ١٢٠.
(٣) الموطأ لمالك ١ : ٣٣٥ ، وساير المصادر في الغدير ٧ : ١٢٠ ـ ١٢١.