يوم الجسر :
فلما بلغ كل ذلك إلى ملك فارس دعا ذا الحاجب بهمن بن الهرمزان وعقد له على اثني عشر ألف ، ودفع إليه لواء كانوا يتيمّنون به يسمّونه : درفش كاويان ، وسلّم إليه سلاحا كثيرا مع الفيل الأبيض. وأقبل ذو الحاجب فنزل قسّ الناطف على شاطئ الفرات بينه وبين أبي عبيد الثقفي (١) وأرسل إليه : تعبر إلينا أو نعبر إليك؟ فقال أبو عبيد : نعبر إليكم (٢).
وكان معه سليط بن قيس فقال له : يا أبا عبيد ، إياك أن تقطع هذه اللجّة (الماء) إليهم ، فإني أرى لهم جموعا كثيرة ، والرأي أن ترجع بنا إلى ناحية البادية (بادية الحجاز) وتكتب إلى عمر تسأله المدد ، فإذا أتاك عبرت إليهم فتناجزهم الحرب. فجبنه أبو عبيد ، فقال المثنّى : لا والله ما جبن ، بل أشار عليك بالرأي ، فإياك أن تعبر إليهم فتلقي بنفسك وأصحابك في وسط أرضهم فتنشب فيك مخالبهم! فأبى أبو عبيد ، فعقدوا له الجسر وعبروا إليهم (٣).
__________________
(١) قسّ الناطف في حدود ما بين العباسيات وذي الكفل ، انظر الخريطة : ٦٢ من أطلس تاريخ الاسلام الترجمة الفارسية.
(٢) تاريخ خليفة : ٦٦.
(٣) تاريخ مختصر الدول لابن العبري : ١٠٠ وروى المسعودي : أن بعض الدهاقين عقد له الجسر فلما عبروا وخلّفوا الفرات خلفهم أمر هو بقطع الجسر ، فحينئذ قال له مسلمة بن أسلم الأنصاري البدري : أيها الرجل ، إنّه ليس لك علم بما نرى ، وسوف يهلك من معك بسوء سياستك ، تأمر بجسر قد عقد أن يقطع فلا يجد المسلمون ملجأ من هذه الصحارى والبراري ، فلا تريد إلّا أن تهلكهم في هذه القطعة! وقال سليط ؛ إن العرب لم تلق مثل جمع فارس قط ، ولا كان لهم بقتالهم عادة ، فاجعل لهم ملجأ ومرجعا من هزيمة إن كانت. فقال : والله لا فعلت! جبنت يا سليط! فقال سليط : والله ما جبنت وأنا أجرأ منك