إذا كان من أمر ليس في كتاب الله بيانه وبرهانه ، ولم تكن فيه سنّة من نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، ولم يمض فيه أحكام من إخواننا ممن يقتدى برأيه ويرضى بحكمه!
وأما ما ذكرتما من الاسوة ؛ فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ولم أقسمه ، قد وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله قسما قد فرغ الله من قسمه وأمضى فيه من حكمه.
وأما قولكم : جعلت لهم فيئنا وما أفاءت رماحنا وسيوفنا ، فقدما سبق إلى الإسلام قوم لم يضرهم إذا استؤثر عليهم في شيء من الأحكام ، ولم يضرهم حين استجابوا لربّهم ، والله موفّيهم يوم القيامة أعمالهم ، ألا وإنّا مجرون عليهم أقسامهم. فليس ـ والله ـ عندي لكما ولا لغيركما في هذا عتب! أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق ، وألهمنا وإياكم الصبر. رحم الله رجلا رأى حقا فأعان عليه ، أو رأى جورا فردّه وكان عونا للحق على صاحبه (١) ثم كان ما مرّ عن المفيد.
ثم لم يلقيا أحدا إلّا وقالا له : ليس لعليّ في أعناقنا بيعة ، وإنما بايعناه مكرهين!
فبلغه ذلك فقال : أبعدهما الله وأغرب دارهما! أما والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ، ويأتيان من وردا عليه (البصرة) بأشأم يوم! والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوجهين فاجرين ورجعا بوجهين غادرين ناكثين! والله لا يلقياني بعد اليوم إلّا في كتيبة خشناء يقتلان أنفسهما فيها ، فبعدا لهما وسحقا (٢).
__________________
(١) المعيار والموازنة : ١٠١ ـ ١١٤ مرسلا وكذلك في المختار : ٢٠٣ من نهج البلاغة ، ومسنده في أمالي الطوسي : ٧٢٧ ، الحديث ١٥٣٠ عن ابن عقدة عن أبي الصلت الهروي عن اوس بن الحدثان الأنصاري.
(٢) شرح النهج للمعتزلي ١ : ٢٣٢ بلا إسناد.