حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام وأظهرت ذلك ، يدعون إلى محو دين الله وتغيير ملة محمد صلىاللهعليهوآله ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وقعدت أن أرى فيه ثلما وهدما ، تكون مصيبته عليّ أعظم من فوت ولاية أموركم ، التي إنما هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب ، وينقشع كما ينقشع السحاب.
ورأيت الناس قد امتنعوا بقعودي عن الخروج إليهم ؛ فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فتألّفته (!) ولو لا أني فعلت ذلك لباد الإسلام ، فنهضت في تلك الأحداث حتى أناخ الباطل وكانت «كلمة الله هي العليا» (١).
فاختلفت هذه الرواية عن السابقة في جهات منها قوله عليهالسلام : فتألّفته ، بدل : بايعته ، في السابقة ، وعليه فالبيعة كانت سابقة كما في الأخبار السابقة ، وإنما الحادث ائتلافه ورفده ودعمه برأيه ومشورته.
وفيه في موضع سابق قال : ثم وقع أمر الردّة ، وامتنع كثير من الناس أن يخرجوا إلى محاربتهم ، فقالوا لأبي بكر : كيف نخرج وابن عم رسول الله قاعد عنك؟!
فضرع أبو بكر إلى عثمان بن عفان وسأله أن يكلّم عليّ بن أبي طالب ويسأله «بيعته» فإنه لو لا مخافة اضطراب الأمر عليه لجعلها لعليّ!
فعندها مشى عثمان إلى عليّ عليهالسلام فقال له : يا ابن عمّ رسول الله ، إنّه لا يخرج إلى قتال هذا العدوّ أحد وأنت قاعد.
قال : رواه الواقدي عن عبد الرحمن بن جعفر عن ابن عون قال : لما ارتدّت العرب مشى عثمان إلى عليّ عليهالسلام فقال له : يا ابن عمّ رسول الله ، إنه لا يخرج أحد
__________________
(١) المسترشد : ٤٠٨ ـ ٤١٢.