وذكر محمدا فصلّى عليه ، ثم ذكر نعمة الله على أهل الإسلام ، ثم ذكر الدنيا فزهّدهم فيها وذكر الآخرة فرغّبهم فيها ثم قال :
وأما بعد ، فإنه لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله استخلف الناس أبا بكر ، ثم استخلف أبو بكر عمر ، فعمل بطريقه ، ثم جعلها شورى بين ستة فأفضى الأمر منهم إلى عثمان ، فعمل ما أنكرتم وما عرفتم ، ثم حصر وقتل ، ثم جئتموني فطلبتم إليّ ، وإنما أنا رجل منكم لي ما لكم وعليّ ما عليكم.
وقد فتح الله الباب بينكم وبين أهل القبلة فأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، ولا يحمل هذا الأمر إلّا أهل الصبر والبصر ، والعلم بمواقع الأمر. وإني حاملكم على منهج نبيّكم صلىاللهعليهوآله ، ومنفّذ فيكم ما امرت به ، إن استقمتم لي ، والله المستعان ، ألا إن موضعي من رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته ، فامضوا لما تؤمرون به وقفوا عند ما تنهون عنه ، ولا تعجلوا في أمر حتى نبيّنه لكم ، فإنّ لنا عن كل أمر تنكرونه عذرا.
ألا وإن الله عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت كارها للولاية على امة محمد حتى اجتمع رأيكم على ذلك ؛ لأني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «أيّما وال ولي الأمر من بعدي اقيم على حدّ الصراط ، ونشرت الملائكة صحيفته ، فإن كان عادلا أنجاه الله بعدله ، وإن كان جائرا انتقض به الصراط حتى تتزايل مفاصله ثم يهوى به إلى النار ، فيكون أول ما يتّقيها به أنفه وحرّ وجهه» ولكنّي لما اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم.
ثم التفت يمينا وشمالا فقال : ألا لا يقولنّ رجال منكم قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجّروا الأنهار ، وركبوا الخيول الفارهة ، واتّخذوا الوصائف الرّوقة (الرائقة) فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه ، وصيّرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون ، فينقمون ذلك ويستنكرونه ويقولون غدا : حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا!