اما المقام الثانى فالحق فيه وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقا للمشهور وفى ك انه مقطوع به فى كلام الاصحاب ونسبه المحقق البهبهانى فى فوائده الى الاصحاب وعن المحقق المقدس الكاظمى فى شرح الوافية دعوى الاجماع صريحا وذهب جماعة الى عدم وجوبه وحكى عن بعض القرعة لنا على ما ذكرنا انه اذا ثبت كون ادلة تحريم المحرمات شاملة للمعلوم اجمالا ولم يكن هنا مانع عقلى او شرعى من تنجز التكليف به لزم بحكم العقل التحرز عن ارتكاب ذلك المحرم بالاجتناب عن كلا المشتبهين
وبعبارة اخرى التكليف بذلك المعلوم اجمالا ان لم يكن ثابتا جازت المخالفة القطعية والمفروض فى هذا المقام التسالم على حرمتها وان كان ثابتا وجب الاحتياط فيه بحكم العقل اذ يحتمل ان يكون ما يرتكبه من المشتبهين هو الحرام الواقعى فيعاقب عليه لان المفروض لما كان ثبوت التكليف بذلك المحرم لم يقبح العقاب عليه اذا اتفق ارتكابه ولو لم يعلم حين الارتكاب واختبر ذلك من حال العبد اذا قال له المولى اجتنب وتحرز عن الخمر المردد بين هذين الإناءين فانك لا تكاد ترتاب فى وجوب الاحتياط ولا فرق بين هذا الخطاب وبين ادلة المحرمات الثابتة فى الشريعة الا العموم والخصوص.
فان قلت اصالة الحل فى كلا المشتبهين جارية فى نفسها ومعتبرة لو لا المعارض وغاية ما يلزم فى المقام تعارض الاصلين فيتخير فى العمل باحد المشتبهين ولا وجه لطرح كليهما.
قلت اصالة الحل غير جارية هنا بعد فرض كون المحرم الواقعى مكلفا بالاجتناب عنه منجزا على ما هو مقتضى الخطاب بالاجتناب عنه لان مقتضى العقل فى الاشتغال اليقينى بترك الحرام الواقعى هو الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع فى محذور فعل الحرام وهو معنى المرسل المروى فى بعض كتب الفتاوى اترك ما لا بأس به حذرا عما به البأس فلا يبقى مجال للاذن فى فعل احدهما وسيجيء فى باب الاستصحاب