فلا تعارض الاستصحاب ولا غيره من الاصول والادلة سواء كان مدركها العقل او النقل اما العقل فواضح لان العقل لا يحكم بقبح العقاب الا مع عدم الدليل على التكليف واقعا او ظاهرا واما النقل فما كان منه مساوقا لحكم العقل فقد اتضح امره والاستصحاب وارد عليه.
واما مثل قوله كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى فالوجه (١) فى تقديم الاستصحاب عليه ان دليل الاستصحاب بمنزلة معمم للنهى السابق بالنسبة الى الزمان اللاحق فقوله لا تنقض اليقين بالشك يدل على ان النهى الوارد لا بد من ابقائه وفرض عمومه للزمان اللاحق وفرض الشيء فى الزمان اللاحق مما ورد فيه النهى ايضا فمجموع الرواية المذكورة ودليل الاستصحاب بمنزلة ان يقول كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى وكل نهى ورد فى شيء فلا بد من تعميمه لجميع ازمنة احتماله فيكون الرخصة فى الشيء واطلاقه مغيّا بورود النهى المحكوم عليه بالدوام وعموم الازمان فكان مفاد الاستصحاب نفى ما يقتضيه الاصل الآخر فى مورد الشك لو لا النهى وهذا معنى الحكومة كما سيجيء فى باب التعارض ولا فرق فيما ذكرنا بين الشبهة الحكمية والموضوعية بل الامر فى الشبهة الموضوعية اوضح لان الاستصحاب الجارى فيها جار فى الموضوع فيدخل فى الموضوع المعلوم الحرمة مثلا استصحاب عدم ذهاب ثلثى العصير عند الشك فى بقاء حرمته لاجل الشك فى الذهاب يدخله فى العصير قبل ذهاب ثلثيه المعلوم حرمته بالادلة فيخرج عن قوله كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام.
__________________
١ ـ هذا بيان للحكومة فى مقابل ما يظن من تعارض دليل البراءة والاستصحاب فى المسبوق بالنهى فان مقتضى الاستصحاب حرمته ومقتضى قوله كل شىء مطلق اباحته ، اذ المراد بالغاية النهى الواقعى وليس فى مورد التعارض نهى واقعى فعصير العنب اذا ذهب ثلثاه بالهواء او صار دبسا قبل ذهاب الثلثين يكون موردا لتعارضهما والدفع واضح (شرح)