وثانيا : أنّه لو سلّم صحة التفكيك في مدلوله بين الأبواب ، وكونه في متعلّقات التكاليف ناظرا إلى جهة التكليف دون الوضع ، وطلبا مولويّا بهذا الاعتبار ، فلا يخفى أنّ ما يعتبره العقل في حسن الخطاب (١) ليس مدلولا لفظيا لهيئة الأمر والنهي ، كي تكون القيديّة المقيّدة بالمقدوريّة ونحوها هي مؤدّى الخطابات الغيريّة ، وإنّما هو قيد في ناحية المدلول ، وشرط عقليّ فيما يطالب به من المكلّف بأيّ كاشف كان ، وظاهر أنّ الطلب بالمركّب بما له من التعلّق بجملة أجزائه وقيوده الملحوظ اعتبار الوحدة فيها هو المتوقّف حسنه على مقدوريّة متعلّقه ، لا بآحاد تعلّقاته ، وإلاّ كانت خطابات مستقلّة. ولو فرض استقلال العقل باشتراط آحادها بذلك (٢) كان عند
__________________
(١) محصّله أنه بعد التسليم فشرائط حسن الخطاب إنما يعتبرها العقل في صحة الطلب الذي هو مدلول الخطاب ، وليست هي جزءا لمدلوله اللفظي كي يكون مفاد الخطاب الغيري القيديّة المقدورة مثلا ، ومن الواضح أنّ الطلب الذي يعتبر العقل شروطا في صحته هو الطلب المتعلق بجملة العمل بأجزائه وقيوده بلحاظ ما له من الوحدة الاعتبارية ، لا الطلبات الضمنية المتعلقة بآحاد أجزائه وتقيّداته ـ والمدعى دلالة الخطابات الغيرية عليها ـ ، إذ لو اعتبرت الشرائط في كلّ من هذه الطلبات باستقلالها وغير مرتبطة بأخواتها لأصبحت طلبات نفسيّة وأوامر استقلالية ، وهو خلف الفرض.
(٢) يعني من دون استلزامه خطابات مستقلة ، بل مع التحفظ على ارتباطيتها بعضها ببعض.