وأورد عليه في المعالم بقوله : وهذا الكلام عندي ضعيف ؛ لأنّ العدالة إنّما يؤمن معها تعمّد الإفتاء بغير ما يظنّ بالاجتهاد دليلا ، وليس الخطأ بمأمون على الظنون (١).
وفيه نظر ؛ لأنّ (٢) الظاهر أنّ مراد الشهيد ما يكون كاشفا كشفا قطعيا عن مدرك قطعي بقرينة الاستشهاد بأنّ الأصحاب كانوا يتمسّكون بها ، وتنزيل الفتاوي منزلة النصوص ، فإنّ المعهود من القدماء موافقة فتاويهم غالبا لألفاظ النصوص ، ولا ريب في حجّية مثل هذه الشهرة ، فإنّ الاعتماد حينئذ على المدرك المعلوم بالإجمال من طريق الشهرة ، ولا فرق بين أن يكون المدرك معلوما تفصيلا ، أو إجمالا كما أنّه لا ريب في إمكان هذا الكشف سيّما إذا كانت المسألة مخالفة للأصول والقواعد المقرّرة في المذهب ، وخصوصا فيما إذا كان المخالف شاذّا نادرا مع ظهور اختلاف مشارب العلماء في كيفية الأحكام ، وربّما يشعر بذلك عدّه قوّة الظنّ دليلا آخر ، فسقط ما زعمه صاحب المعالم ، فإنّ بعد المقدّمات المذكورة لا يحتمل تطرّق الخطأ بظنونهم.
ثمّ إنّه لا كلام في حجّية الشهرة من حيث الكشف كما أنّه لا كلام من حيث دخولها تحت الدليل الرابع ، وبرهان الانسداد على تقدير تماميته ، بل الكلام في المقام في أنّه هل دلّ دليل خاصّ على اعتبار الشهرة ، أو لا؟ فقد توهّم بعضهم (٣) ذلك مستندا إلى وجهين :
الأوّل : فحوى ما دلّ على حجّية أخبار الآحاد ، فإنّ الشهرة قد تكون أقوى ظنّا منه ، ويتمّ في الباقي بعدم القول بالفصل ، وقد وقع نظير ذلك للشهيد (٤) في الحكم بحجّية الذياع والشياع بفحوى ما دلّ على حجّية الشهادة ، وقد سمّاه بعضهم بمفهوم الموافقة.
وفساده أظهر من أن يخفى على ذي مسكة ؛ لأنّ الدليل الدالّ على حجّية الخبر لو
__________________
(١) معالم الدين : ١٧٦.
(٢) « ش » : فإنّ.
(٣) انظر مفاتيح الأصول : ٤٩٨ ـ ٤٩٩.
(٤) روض الجنان ٢ : ١٠٢٥ وفي ط الحجري : ٣٨٤ ؛ مسالك الأفهام ١٤ : ٢٣٠ وفي ط الحجري ٢ : ٣٢٧.