__________________
على مقتضى قوله عمل بجهالة حتّى كان العامل به في ظلمة ، ولهذا قال الله تعالى ) فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ( إشارة إلى انكشاف الحال بعد ذلك كالإصباح عن ظلمة الليل ، ولا ريب في انتفاء الجهالة عن مقتضى خبر العادل ؛ لكونه موثوقا به صادرا عن روية وبصيرة في الدين ناشئا عن الجريان على مقتضى الشرع ، فينتفي وجوب التبيّن عن خبره بانتفاء علّته التي هي الجهالة المؤدّية إلى الندم.
أمّا الأوّل ، فقد سلكه الأكثر ، ومنهم صاحب المعالم رحمهالله حيث قرّر وجه الدلالة بأنّه سبحانه علّق وجوب التبيّن على مجيء الفاسق فينتفي عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط.
وعدم مجيء الفاسق بالنبإ له فردان :
أحدهما : أن لا يتحقّق هناك إخبار أصلا ، وهذا لا ينبغي التكلّم فيه ؛ لظهور عدم وجوب التبيّن حينئذ.
والآخر : أن يتحقّق الإخبار لكن من العادل لا الفاسق وحينئذ نقول : إذا لم يجب التبيّن عند مجيئه بالخبر بحكم الآية ، فإمّا أن يتحقّق عدم وجوب التبيّن عن خبره حينئذ في ضمن القبول فيكون ذلك لكونه واجب القبول وهو المطلوب ، أو في ضمن الردّ وهو باطل ؛ لأنّه يلزم أن يكون أسوأ حالا من الفاسق ، وفساده بيّن ، فقد تحصل حجّية من مفهوم الشرط بضميمة مقدّمة أخرى وهي أنّه لو ردّ خبر العدل بغير تبيّن ، لزم كونه أسوأ حالا من الفاسق.
هذا ، ولكن قد منع من الافتقار إلى ضميمة المقدّمة الأخرى صاحب الفصول رحمهالله فإنّه بيّن وجه الاستدلال بها من دون ضميمتها ، ثمّ أشار إلى فساد ما ذكروه.
قال رحمهالله : وجه الدلالة أنّه تعالى علّق وجوب تبيّن النبأ على مجيء الفاسق به ، فيدلّ بمفهومه على عدم وجوب التبيّن عند مجيء العادل به ، ومقتضاه جواز القبول ؛ لأنّ الأمر بطلب البيان إمّا كناية عن عدم جواز القبول أو مجاز عنه أو مخصوص بما لو أريد العمل بمقتضى نبئه ، فيكون وجوبه شرطيا ، ويرجع إلى الوجه السابق أو بمواضع خاصّة لا بدّ من التبيّن فيها : منها الواقعة التي نزلت الآية فيها حيث يجب فيها طلب البيان بمطالبتهم بالصدقات ، فإن انقادوا إلى الحقّ وأدّوها ، تبيّن كذب النبأ قضاء بظاهر الحال ، وإن استنكفوا عنها وأظهروا التمانع والمعاداة ، تبيّن صدقه ووجب التهجّم على جهادهم ، لكن هذا في الحقيقة راجع إلى طلب أمر مخصوص يحصل به البيان ، وليس بطلب نفس البيان حقيقة.