__________________
صافيه ، وذلك أنّه رحمهالله بعد أن قرّر وجه الاستدلال على الوجه الذي حكيناه عن صاحب المعالم قدسسره ، قال : هكذا ذكره كثير من الأصوليين ، والوجه عندي أنّه ليس من باب مفهوم الشرط ؛ لأنّ غاية ما يمكن توجيهه على ذلك أن يكون المعنى إن جاءكم خبر الفاسق فتبيّنوا ، ومفهومه إن لم يجئكم خبر الفاسق ، فلا يجب التبيّن سواء لم يجئكم خبر أصلا ، أو جاءكم خبر عدل ، فالمطلوب داخل في المفهوم ولم يكن هو هو.
وفيه : أوّلا : أنّ ظاهر الآية إن جاءكم الفاسق بالخبر ، ومفهومه إن لم يجئ الفاسق بالخبر لا إن لم يجئ خبر الفاسق.
وثانيا : أنّ المراد بالتبيّن والتثبّت طلب ظهور حال خبر الفاسق والثبات والقرار حتّى يظهر حال خبر الفاسق ، فكأنّه قال : تبيّنوا خبر الفاسق ، فالمفهوم يقتضي عدم وجوب تبيّن حال خبر الفاسق لا خبر العادل ؛ للزوم وحدة الموضوع والمحمول في المفهوم والمنطوق في الشرط والجزاء.
نعم ، لمّا كان مقدّم المفهوم إن لم يجئكم خبر الفاسق بحيث يشمل عدم خبر أصلا ، أو كان ولكن كان خبر العادل ، فيندرج فيه خبر العادل ، ولكن لا يدلّ على عدم وجوب تبيّنه مع أنّ ذلك خروج عن حقائق الكلام وترك للعرف والعادة بمجرّد احتمال كون السالبة منتفية الموضوع ، ولا ريب أنّه مجاز لا يصار إليه ، وقسمة المنطقيين السالبة إلى الموجود الموضوع ، والمنتفي الموضوع لا توجب كونه معنى حقيقيا لها ، أو عرفيا ، والكتاب والسنّة إنّما وردا على مصطلح أهل اللغة والعرف لا مصطلح أهل الميزان. هذا كلامه رحمهالله.
قوله رحمهالله : « ولكن لا يدلّ على عدم وجوب تبيّنه » أي على عدم وجوب تبيين خبر العادل كما هو مدّعى المستدلّ بمفهوم الشرط ، وذلك لأنّه وإن سلّم أنّ عدم مجيء خبر الفاسق وعدم وجوب تبيين خبره في مثل هذه القضيّة التي هي إن لم يجئكم خبر الفاسق ، فلا يجب عليكم تبيين خبر ذلك الفاسق سواء كان هناك خبر عادل أم لا.
ولا ريب أنّ حكم عدم وجوب التبيّن مختصّ بالفاسق ، وخبر العادل مسكوت عنه وإن كان عدم مجيء خبر الفاسق ووجوب التبيّن عنه أعمّ بالنسبة إلى حالتي مجيء خبر العادل وعدم مجيئه.
وقوله : « مع أنّ ذلك » يعيّن الاستدلال بمفهوم قوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) وهو