__________________
المؤدّي أحيانا إلى ظهور خلاف ما أخبر به الموجب لانحطاط قدره.
وأمّا الثاني ، فتوضيح المقال فيه هو أنّ أهل هذه الصناعة قد قرّروا في باب المفاهيم أنّ طريقة أخذ المفهوم هو أن يترك القيود المعتبرة في المنطوق على حالها ، وتبدّل الكيفية ، فمن ذلك يحصل المفهوم المعتبر من الكلام الذي في شأنه إفادة المفهوم ، وحينئذ نقول : إنّ الجملة الشرطية في الآية الكريمة بعد إبراز ما اعتبر فيها من القيود ليست إلاّ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا نبأ ذلك الفاسق ( في النسخة : والفاسق؟ ) وليس مفهومه حينئذ إلاّ ما يعبّر عنه بأنّه إن لم يجئكم فاسق بنبإ ، فلا يجب عليكم تبيين نبأ ذلك الفاسق ، وهذا المعنى ممّا لا مساس له بخبر العادل أصلا ، فيكون مسكوتا عنه نفيا وإثباتا.
فإن قلت : إنّ مثل هذا المفهوم ممّا لا فائدة فيه أصلا ، وقصده بالكلام لغو لا مساغ للالتزام به في كلام الحكيم على الإطلاق جلّ شأنه.
قلت : ليس الغرض إثبات أنّ مقصوده تعالى ذلك ، بل المراد أنّ مثل هذه الجملة الشرطية لا يليق به مفهوم سوى ما ذكر ، وإلاّ فليس الكلام هنا مفيدا للمفهوم ، لعدم قابليته لإفادته ، وليس الكلام إلاّ مسوقا لإفادة الربط بين الشرط والجزاء في الوجود ، بمعنى وجود الثاني عند وجود الأوّل ، وليس مسوقا لإفادة الانتفاء عند الانتفاء.
وإن شئت قلت : إنّ الكلام مسوق لبيان حال الموضوع بحسب الوجود فقط ، وهذا القسم في الجملة الشرطية ليس ممّا يعزّ وجوده ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) فإنّه ليس مسوقا إلاّ لبيان تحقّق الموضوع ، وليس المقصود منه أنّه إذا لم يتوجّه إليكم تحيّة ، فلا يجب مقابلتها بأحسن منها أو ردّوها ، وكذلك قوله تعالى : ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) وكذلك قول القائل : فإن رزقت ولدا ، فاختنه ؛ وإن ركب زيد ، فالزم ركابه ؛ وإن قدم من السفر ، فاستقبله ؛ وإن تزوّجت ، فلا تضيّع حقّ زوجتك ؛ وإن آخيت أحدا ، فراع حقّه ، وأمثال ذلك ممّا لا يحصى ، وهذا النوع من الجملة الشرطية ليس مجازا إلاّ على القول باعتبار التقييد بالمفهوم في أصل الوضع ، على أن يكون التقييد داخلا والقيد خارجا ، وقد تقدّم تفصيل القول في وجه دلالة اللفظ على المفهوم في محلّه ، فراجع هكذا ينبغي أن يجاب عن الاستدلال.
وقد وقع للفاضل القمّي رحمهالله في مقام الجواب عنه ما ينبغي التعرّض لما فيه ، وتمييز كدره من