__________________
عليهم بالوثوق التامّ ، فجروا على مقتضاه ، ثمّ إنّ الله تعالى نبّههم وأمرهم بالوثوق التامّ المستقرّ.
إذا عرفت ذلك كلّه ، نقول : أمّا التمسّك بالمفهوم الذي قد تقدّم أنّ فيه مسلكين :
أحدهما : مسلك حجّية مفهوم الشرط ؛
وثانيهما : مسلك مفهوم الوصف ؛
فيرد على الأوّل منهما المنع من جهة الصغرى. وعلى الثاني منهما المنع من جهة الكبرى.
أمّا الأوّل ـ وهو المنع على المتمسّكين بحجّية مفهوم الشرط ـ فيقرّر تارة من جهة حزازة كيفية الاستدلال ، وأخرى من جهة المنع على نفس الاستدلال.
أمّا الأوّل : فبيانه أنّه لا ريب في أنّ وجوب التبيّن ليس نفسيا بل شرطي لوجوه :
أحدها : أنّ نفس مادّة التبيّن كالفحص والبحث والتجسّس ممّا أخذ فيه كون معناه للوصول إلى غيره ، فلا يعقل أن يكون التبيّن مطلوبا لنفسه كالصلاة والصيام وأخواتهما.
ثانيهما : أنّ التعليل المذكور في الآية ـ وهو قوله تعالى : ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) ـ يفيد ذلك للدلالة على أنّ وجوب التبيّن إنّما هو لأجل التحرّز عن الندم من قبول قول الفاسق.
ثالثها : الإجماع على أنّ التبيّن ليس واجبا نفسيا.
وحينئذ نقول بعد تسليم إفادة الآية الكريمة للمفهوم ـ وهو قول : إن جاءكم عادل بنبإ ، فلا يجب تبيّن خبره ـ : لا حاجة إلى ضمّ المقدّمة الأخرى ، وهي أنّه إمّا أن يجب القبول ، فيثبت المطلوب. وإمّا أن يلزم الردّ ، فيلزم كونه أسوأ حالا من الفاسق ، وذلك لأنّ التبيّن قد كان شرطا لقبول قول الفاسق ، فيسقط بانتفاء المشروط به ، ومقتضاه جواز قبول قول العادل ، فلا حاجة إلى المقدّمة المذكورة ، فيكون الإتيان بها لغوا.
وإن أبيت إلاّ عن كون وجوب تبيّن خبر الفاسق نفسيا ، قلنا : إنّ ذلك يضرّهم ولا ينفعهم ، وضمّ المقدّمة المذكورة لا يفيد ؛ لأنّ مقتضى المفهوم حينئذ نفي ذلك الوجوب النفسي عن تبيّن خبر العادل ، ولا يلزم منه قبول خبره.
وقولهم : إن ردّ خبر العادل بدون تبيّن ، لزم كونه أسوأ حالا من الفاسق ممّا يقابل بالمنع ، لأنّ التبيّن عن خبر المخبر ربّما أدّى إلى ظهور خلاف ما أخبر به ، وحينئذ يهتك ستره ، وينحطّ عن القلوب محلّه ، وحيث كان الفاسق ليس له خطر عند الله ـ جلّ شأنه ـ أمر بالتبيّن عن حال خبره