على عدم المبالاة بالمعاصي ، ويعاقب في الآخرة ما لم يتب عقابا متوسّطا بين عقاب الكبيرة والصغيرة. وكلاهما تحكّم وتخرّص (١) على الغيب (٢). انتهى كلامه رفع مقامه.
فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ القول بالعقاب على المتجرّي لا يخلو من (٣) قوّة ، وكذا القول بترتّب الثواب على المنقاد ، مضافا إلى الأخبار الواردة (٤) في التسامح ؛ فإنّ العمل بما بلغه لو كان ممّا يوجب الثواب وإن لم يكن كما بلغه ، فالمعتقد على وجه لا يحتمل الخلاف لو أتى بما اعتقده ، فهو أولى بأن يثاب ، أو يعاقب.
بقي الكلام في العزم على المعصية والطاعة ، والرضا بالمعصية والطاعة إذا وقعتا (٥) من الغير فنقول :
أمّا الروايات ، فهي ظاهرة في أنّ العزم أيضا معصية ، فمنها ما مرّ آنفا.
ومنها : ما رواه الكليني عن أبي هاشم قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إنّما خلّد أهل النار في النار ؛ لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، وإنّما خلّد أهل
__________________
(١) هذا هو الصواب ، وفي النسخ : تعرّض. قال المامقاني في بشرى الوصول ١٧ / ب : فسّر شيخنا الإمام المرتضى رضياللهعنه في مجلس البحث قوله : « وكلاهما تحكّم وتخرّص على الغيب » بأنّ الحكم بفسق المتعاطي في الدنيا وكونه معاقبا على الكيفية التي ذكرها تحكّم على ما عرفته من تفسيره بذلك في شرحه. ثمّ أورد عليه بأنّ كون الثاني تحكّما مسلّم لكن لا نسلّم كون الأوّل تحكّما ؛ لأنّه على القول بكون العدالة عبارة عن الملكة ـ كما هو المشهور ، بل ربما يدّعى الاتّفاق عليه وأنّ الخلاف إنّما هو في كشفه عن الظاهر وظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق ـ لا يخلو إمّا أن يتجرّى بما لا يوجب الفسق كالصغيرة ، أو يتجرّى بما يوجبه ، فعلى الأوّل وإن كان لا يلزم الفسق ؛ لعدم كون التجرّي أعظم من الأصل ، لكن على الثاني يلزم الفسق قطعا ؛ لكشفه عن انتفاء الملكة الرادعة.
أقول : لا بدّ من تقييده بأن لا يكون في مورد تكون الكبيرة مع الندم غير موجبة للفسق ؛ لندرة وقوعها من الفاعل.
(٢) القواعد والفوائد ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨ فائدة ٢١.
(٣) « ل » : عن.
(٤) انظر الوسائل ١ : ٨١ ، باب ١٨ ، باب استحباب الإتيان بكلّ عمل مشروع روي له ثواب عنهم عليهمالسلام.
(٥) « ل » : وقعا.