التحرّز عن الضرر المظنون ـ كما هو مفاد الكبرى ـ وجوب متابعة القياس والعمل بمفاده حيث (١) إنّ العمل بالقياس أيضا واقعة من الوقائع ، فيحتمل أن يكون فيها مفسدة أشدّ من المفسدة التي تكون في الحكم المستنبط من القياس ، لأجلها قد ألغى الشارع العمل ، مثلا لو ظنّ بحرمة العصير العنبي قياسا له على الخمر ، ففي استعمال العصير بحكم الظنّ الحاصل من القياس مظنّة ضرر ، فكذا في العمل بالقياس والاجتناب عنه من حيث استناده إلى القياس ، ويجوز للشارع في مقام الجعل طرح الأوّل والحكم بأخذ الثاني متى ما كانت المفسدة الكامنة فيه أقوى ، وليس ذلك من التخصيص في حكم العقل حتّى يقال : إنّ حكم الشرع ليس موافقا لحكم العقل بل كلّ منهما يلازم الآخر بل هو تخصيص وتقييد لمورد حكم العقل.
وبالجملة ففيما نحن بصدده نلتزم بعدم لزوم دفع الضرر المظنون في مخالفة المسألة الفرعية نظرا إلى لزوم دفع الضرر المظنون في المسألة الأصولية ؛ لاحتمال أن يكون الضرر المحتمل فيها أقوى ، وأمّا ما قد يجاب (٢) عن مثله بقيام الإجماع على خروجه ، فممّا لا يصغى إليه بعد ما عرفت من أنّ الكلام في جعل الشارع كما لا يخفى.
فإن قلت : إنّ بعد ما استكشفنا من نهي الشارع مفسدة كامنة في العمل بالقياس لأجلها منعنا عن (٣) العمل به ، وحاولنا إنكار العمل به لاحتمال أن يكون المفسدة فيه أقوى من المفسدة في الحكم المستخرج منه ، فلا يجوز العمل بكلّ أمارة حيث إنّ الشارع قد نهى عن العمل بها لعموم ما دلّ على حرمة العمل بمطلق ما وراء العلم ، فبعد ملاحظة نهي الشارع عنها يحتمل أن يكون المفسدة الموجبة للنهي عن العمل بالظنّ زائدة على المصلحة المقتضية للعمل به ، وأشدّ من المفسدة المترتّبة على ترك العمل به ، فلا يلتفت إلى دفع (٤) الضرر الحاصل عن الترك دفعا للضرر الحاصل من
__________________
(١) « ل » : وحيث.
(٢) انظر معارج الأصول : ٢٠٧ ؛ القوانين ١ : ٤٤٧.
(٣) « ل » : ـ عن.
(٤) « ش » : لما وقع.