الفعل لاحتمال كونه أقوى.
قلت : فرق بين المقامين ، فإنّ القياس حرمته حرمة ذاتية كما يستفاد من الأدلّة الدالّة على حرمته من أنّ العامل به والمتّكل عليه وإن أصاب الواقع ، فهو مخطئ في الواقع ، فيجري فيه الاحتمال المذكور بخلاف العمل بالظنّ ، فإنّه قد تقدّم أنّ مرجع الأدلّة الدالّة على حرمته إلى أمرين : أحدهما لزوم التشريع ، وثانيهما لزوم طرح الأصول القطعية بلا دليل يرتفع به موضوعها ، فإنّ العامل به تارة يعمل على أنّه هو المرجع في عمله المستند في فعله ، وأخرى يجعل عمله موافقا لما ظهر له ، ومطابقا لإدراكه من غير أن يستند إليه وأخذه مبنى (١).
وعلى الأوّل يلزم التشريع وهو البدعة المحرّمة بالعقل والنقل.
وعلى الثاني فإمّا يكون ظنّه موافقا لأصل من الأصول العملية أو مخالفا لها ، أو لا موافقا ولا مخالفا ، فعلى الأوّل والثالث ، فالمرجع في الحقيقة إمّا الأصل ، أو التخيير ، فلا عمل بالظنّ ، وعلى الثاني يلزم طرح الأصل المخالف من غير دليل علمي يرتفع به موضوعه ، ولا يلزم شيء من المحذورين فيما لو استندنا إلى الظنّ بعد حكم العقل بواسطة لزوم دفع الضرر لوجوب الاستناد كما لا يخفى ؛ إذ العمل به حينئذ عين الشرع ، فلا يلزم التشريع ونفس العلم ، فلا يلزم طرح الأصل من غير علم.
ويمكن الجواب عنه بأنّ العمل بالقياس ـ من حيث استناد العامل إليه من حيث هو ـ قياس ، ومن غير ما يوجبه من الاحتياط عمل بالباطل ، وأمّا بعد ملاحظة الاحتياط دفعا للزوم الضرر ، فلا شكّ أنّه أمر مستحسن عقلا بل وشرعا أيضا ، فإنّ المدار في الحكم بالتسامح في أدلّة السنن في المكروهات عليه كما ستعرف إن شاء الله حيث إنّ المناط حينئذ في العمل هو الاحتياط وهو ليس من القياس في شيء بل القياس محصّل لموضوع يحكم العقل فيه بالاحتياط ، ومحقّق لعنوان يلتزم بلزوم دفع
__________________
(١) « ش » : مبنى له.