ضرورة ورودها في مقام احتمال عدم إدراك الواقع عند التعويل عليه حتّى أنّ القياس في موارده ـ وإن قلنا بأنّه محرّم أصليّ ـ إلاّ أنّ المستفاد من جملة من الأخبار الناهية عنه هو دفع هذا الاحتمال ، ولا شكّ في أنّ الوقوع في هذا الاحتمال على تقدير العمل بالبراءة بل الوقوع واقعا و (١) في نفس الأمر ممّا لا مجال لإنكاره ، سيّما بعد العلم الإجمالي بمخالفة عمله كثيرة (٢) من موارد البراءة للواقع.
وإن شئت توضيح ذلك ، فراجع العرف والعقلاء أنّ المولى قد كتب طومارا لعبده بعد نهيه عن العمل بالظنّ ، فأصابه المطر بحيث لا يكون كلماته معلومة ، فهل ترى أحدا في المقام يجوّز لنفسه العمل بالبراءة وترك العمل بالظنّ ، وهذا ممّا لا يكاد يخفى على أولي الأنظار المستقيمة ومقصّر في التتبّع لكلمات الأصحاب حيث إنّه قد تنبّه (٣) لذلك جماعة من متقدّمي أصحابنا ، ومتأخّريهم وجملة من مخالفينا :
فمنهم الصدوق طاب ثراه (٤) في باب [ أحكام السهو في الصلاة في ذيل أخبار ] جواز السهو على النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد ما استند فيه إلى جملة من الأخبار ، فأورد على نفسه بأنّها أخبار آحاد لا يجوز التعويل عليها ، ثمّ أجاب عنها بأنّه على تقدير ترك العمل بالأخبار ، فبم يعمل العامل معرضا عن احتمال البراءة.
ومنهم الشيخ في العدّة في مقام الردّ على من احتمل أن يكون عمل الطائفة بالأخبار من جهة اقترانها بالقرائن فإنّه قال :
فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم إليه لم يعملوا بهذه الأخبار بمجرّدها بل إنّما عملوا [ بها ] بقرائن اقترنت بها دلّتهم على صحّتها ، ولأجلها عملوا بها ، ولو تجرّدت ، لما عملوا بها ، وإذا جاز ذلك لم يكن (٥) الاعتماد على عملهم بها.
__________________
(١) « ل » : ـ و.
(٢) « ش » : كثرة ( ظ ).
(٣) « ل » : نسبه.
(٤) الفقيه ١ : ٣٥٩.
(٥) « ل » : لم يمكن.