فالتخيير فيها لرفع المانع ، فالمانع إنّما يؤثّر فيما يمنعه ، ولا يقضي باختلاف الموضوع وتبديله ، فتغيّر الحكم ، فالاشتغال (١) فيما لا مانع بعد العلم الإجمالي بالحكم.
وإذ قد تقرّر هذا فاعلم أنّه قد سبق في بعض الوجوه العقلية التي أقاموها على اعتبار مطلق المظنّة من أنّ مقتضى الاشتغال العمل بكلّ ما يحتمل الوجوب وترك كلّ ما يحتمل الحرمة إلاّ أنّ العسر يمنع من ذلك ، فالجمع بين القاعدتين يقتضي ترك الموهومات والمشكوكات نظرا إلى العسر ، والعمل بالمظنونات نظرا إلى الاحتياط ، وقد سبق أيضا ما فيه من الضعف.
ويزيدك توضيحا : أنّ لزوم العسر لا يقضي بتعيين (٢) العمل بالظنّ بل الضرورة إنّما تتقدّر بقدرها على ما عرفت في المقدّمة ، فإنّ التكليف بالاحتياط ثابت ، والعسر مانع ، وحيث إنّ العسر لا يمنع من الاحتياط (٣) في سلسلة خاصّة من المظنونات والمشكوكات والموهومات ، فلا بدّ من الترجيح ؛ لأنّ الحكم بالاحتياط إنّما هو في جهة إدراك الواقع ، وظاهر أنّ ترك الموهوم أولى من ترك المظنون والمشكوك حينئذ ؛ لاستقلال العقل بذلك ، وأمّا المشكوك ، فلا بدّ من العمل به أيضا حيث إنّ المانع من الاحتياط قد ارتفع في ترك الموهوم ، فالاحتياط فيما لا مانع منه محكّم ، فالدليل لا ينتج النتيجة المطلوبة.
لا يقال : على تقدير العمل بالمشكوك على أن نفعل كلّ ما نشكّ في وجوبه ونترك كلّ ما نشكّ في حرمته ، يلزم المحذور أيضا ، فدفعا للعسر لا بدّ من ترك المشكوك والأخذ بالمظنون فقط وهي النتيجة المطلوبة.
لأنّا نقول : أوّلا : لا خفاء لمن له أدنى خبرة في الفقه قلّة المشكوكات جدّا ، فإنّ
__________________
(١) « ل » : فتعيّن الحكم بالاشتغال.
(٢) « ش » : بتعيّن.
(٣) استدرك هنا في هامش « ل » بخطّ آخر « إلاّ ».