وعدمها في النظريات إلاّ أن يعاضده حكم النقل ، فيرجّح به على الآخر (١).
ثمّ إنّ مراده من البديهي في المقام غير معلوم فإن أراد به ما يكون كذلك بحسب معتقده ـ وإن لم يكن كذلك عند غيره أو لا يعلم حال الغير فيه ـ فقد صرّح فيما اختاره من التحقيق في كلام الأمين بعدم حجّيته ، وإن أراد به البديهي عند جميع العقلاء ، فهو ـ مع أنّ العلم بتحقّقه متعذّر غالبا إلاّ بطريق الحدس الذي هو أيضا من العلوم الضرورية التي حجّيتها موقوفة على الاتّفاق عليها فيما زعمه ـ مدفوع بأنّه ليس في اتّفاق الكلّ على بداهة شيء مزية اختصاص في الحجّية إلاّ من جهة توافق الأفهام ، والحدس بموافقته للواقع على ما هو طريق الكشف في الإجماع وحصوله في العلوم العقلية ممنوع ، ولو سلّم ، فليس أقوى من سائر العلوم الضرورية ، فهو في عرض غيرها ، فلا يصحّ جعلها معيارا في حجّية غيرها كما لا يخفى.
وقد تبعه في ذلك المحقّق البحراني في الحدائق حيث حكى عنه كلاما أورده في الأنوار النعمانية يشبه كلامه المتقدّم ، فاستحسنه إلاّ أنّه يظهر منه تفصيل آخر فيما صرّح بحجّية العقل الفطري الصحيح ، وقال بالقضية المشهورة في المقامين.
ثمّ نصّ على أنّه لا مدخل للعقل في شيء من الأحكام الفقهية من عبادات وغيرها وقال : لا سبيل إليها إلاّ السماع عنهم لقصور العقل المذكور عن الاطّلاع عليها.
ثمّ قال : نعم ، يبقى الكلام بالنسبة إلى ما يتوقّف على التوقيف ، فأفاد في ذلك بأنّه إن كان الدليل العقلي المتعلّق بذلك بديهيا ظاهر البداهة كقولهم : الواحد نصف الاثنين ، فلا ريب في صحّة العمل به ، [ وإلاّ فإن لم يعارضه دليل عقلي ولا نقلي فكذلك ] ، وإن عارضه دليل عقلي آخر ، فإن تأيّد أحدهما بنقلي ، كان الترجيح للمؤيّد بالدليل العقلي ، وإلاّ فلا إشكال ، وإن عارضه دليل نقلي فإن تأيّد ذلك العقلي ، أيضا بنقلي ، كان
__________________
(١) غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام ( مخطوط بخطّ المؤلّف ) ٦١ وما بين المعقوفين منه ، وعنه في هداية المسترشدين ٤٤٣.