فالدليل لا ينتج النتيجة المطلوبة ، لجواز أن يكون هناك طريق لا نعلمه ، وكأن غفل عن أنّ إبطال الاحتمال إنّما يحتاج إليه فيما لم يكن نفيه كافيا في بطلانه (١) ، وفي المقام يكفي في بطلان الطرق المحتملة المشكوكة كونها مشكوكة مع وجود الظنّ.
وبالجملة ، أنّ مجرّد وجود الطريق في الواقع احتمالا بل وظنّا بل وعلما أيضا ممّا لا يجدي بعد انسداد الطريق في وصوله إلينا ، مثلا لو فرضنا أنّ هناك طريقا علميا (٢) كما هو كذلك في الواقع ، ولا يمكننا الوصول إليه ، فلا شكّ أنّ ذلك لا يفيدنا شيئا ؛ فإنّ العمل في مرحلة الظاهر لا بدّ وأن يستند إلى دليل وطريق علمي ، أو ما يقوم مقامه ، والاستناد إلى الطرق المشكوكة لا يفيدنا شيئا ؛ حيث إنّه يعارض احتمال الوجود فيها باحتمال العدم ، فكأنّه لم يستند إليها ؛ لعدم تفاوت الحال في الحكم قبل الاستناد وبعده ، فالشكّ في حجّية هذه يكفي في عدم حجّيتها كما أنّ استقلال العقل في جعل الظنّ طريقا يكفي في حجّيته بعد وضوح أنّ المراد هو الوصول إلى الواقع بل هو حينئذ طريق منجعل بذاته لا يحتاج إلى جعل (٣) كالعلم عند انفتاح بابه ، فظهر بما ذكرنا أنّ الاحتمالات المتصوّرة في المقام كلّها وجوه باطلة يكفي في بطلانها قيام الإجماع عليه ، ولذلك لم يحتمله أحد من الأعلام ، ولا اعترض بها على المقام إلاّ أنّ هنا احتمالا قد يتوهّم كونه طريقا بعد الانسداد ؛ لكونه من الطرق التي دلّ عليها العقل والنقل وإن كان لا يخفى بطلانه أيضا على من له خبر بالفنّ ، ومع هذا لا بأس بالتنبيه عليه وهو أنّ المجتهد بعد انسداد باب العلم له لا مناص من تقليده غيره ممّن يرى انفتاح باب العلم كما أنّه يجب عليه التقليد إذا لم يتمكّن من الاجتهاد كأن كان محبوسا ، أو نحو ذلك نظرا إلى إطلاق أدلّة التقليد.
ولا يخفى على من له مسكة فساد هذا الاحتمال وبطلانه.
__________________
(١) « ل » : إبطاله.
(٢) في النسختين : طريق علمي.
(٣) « ل » : جعلي؟