وثانيهما : أن يكون الاختلاف في الخصوصيات من جهة الاختلاف في الأدلّة القاضية عند المخالف بها وبالقدر المشترك أيضا ، فلا يكشف عن القدر المشترك ، مثلا لو اختلفت الأمّة في وجوب شيء وحرمته نظرا إلى اختلافهم في الدليل الوارد في المقام من أنّه أمر أو نهي لا يكشف عن أنّ الإلزام في الجملة متحقّق ، فإنّ القائل بالحرمة كما ينفي خصوصية الإلزام الوجوبي ينفي نفس الإلزام أيضا ، وكذلك القائل بالإلزام الوجوبي ينفي الحرمة رأسا ، واختلاف الأصحاب في خصوصيات الأخبار من هذا الوجه ، ولا أقلّ من احتماله ، فإنّ بعضا منهم قد اعتمد على صنف خاصّ من جهة دليل خاصّ ، وصنف آخر منهم قد عوّل على بعض آخر كذلك كما ترى في اختلاف مداركهم من الآيات والإجماع والأخبار مثلا ، فيمكن تخطئة الجميع ، فلا يحصل الكشف.
وبالجملة ، إنّ المجمعين والمخبرين تارة يعلم من حالهم وكلماتهم اتّفاقهم في القدر المشترك ، وأخرى لا يعلم ، فمجرّد ما يرى من نفي الخصوصيات في كلماتهم لا يكشف عن كون المشترك بينهما مسلّما عندهم هذا ، ولئن أغمضنا عن ذلك ، فغاية ما هناك إطباقهم على أنّ القدر ( المشترك ) (١) من الطرق القطعية ، وأمّا أنّه مجعول ومنصوب للشارع بحيث قد جعله طريقا كما قد جعل في الموضوعات مثلا وفي القضاء كذلك ، فهو أوّل الكلام ؛ لاحتمال أن يكون ذلك من إمضاء الشارع للطريق المعمول عند العرف والعقلاء.
وأمّا ما استند إليه أخيرا من أنّه « كما نجد على الأحكام أمارات يقطع بعدم اعتبار الشارع إيّاها طرقا إلى معرفة الأحكام مثلا كالقياس » فواضح الضعف والسقوط ؛ لاحتمال أن يكون ذلك منهم ردعا موضوعيا ، ومنعا صغرويّا ، إمّا من حيث إنّ القياس وأضرابه من الأمارات الظنّية الغير المعتبرة ممّا لا يجوز الاعتماد عليه عند
__________________
(١) ما بين الهلالين استدرك في « ل » بخطّ آخر.