والحرج على تقدير الرجوع إلى الاحتياط ، وأمّا غيره ، فهي غير منضبطة بين مراتب لا تتناهى ، فإنّ مجرّد رجحان أحد الطرفين في مرتبة الإدراك يسمّى ظنّا إلى أعلى مدارج كماله إلى أن ينتهي إلى العلم ، ولذا لا فرق بين أفراد العلم في الحجّية وعدمها من العلوم القوية الشديدة ، والعلوم الضعيفة ، فأيّ مرتبة منها تكون حجّة مع أنّه قد يتراءى في النظر أنّ القول بتقيّد الحجّية بأقوى الظنون وإطلاق الأسباب قد يكون خلاف ما استقرّ عليه طريقتهم ؛ حيث لا قائل بالفصل ظاهرا بين أقسام الشهرة ، وأنواع الإجماع ، وأفراد الاستقراء مثلا ، فتأمّل.
مضافا إلى أنّ الترجيح بالأقوائية ينافي ما قد بيّنّا عليه من الكشف ؛ لأنّه ـ كما هو ظاهر ـ لا يكاد ينكره إلاّ مكابر إنّ منشأ الترجيح بالأقوائية إنّما هو قرب الأقوى إلى الواقع وهو إنّما يتمّ لو كان الحاكم بالرجوع إلى الظنّ هو العقل ، وأمّا لو لم يكن ، فليس للعقل ترجيح أحد الظنّين على الآخر ممّا يتخيّله (١) مرجّحا ، كيف؟ ويحتمل في الأمور التوقيفية جعل الحجّة أدون مراتبه.
نعم ، هو كذلك في الواقع ؛ لما عرفت من أنّ التحقيق حكومة العقل ، فإنّا بعد ما فرضنا حكومة الشرع فيه وكشف العقل عنه ، فلا وجه للترجيح بالأقوائية ؛ لاستلزامه خلاف الفرض.
وأمّا كون الظنّ مظنون الاعتبار ، فعلى الأوّل من وجهي تقرير ترجيحه نقول :
أمّا أوّلا ، فلأنّا نفرض أمارة ظنّية أخرى تساوق ظنّه من جهة زيادة قوّة الظنّين : المتعلّق بالواقع ، والأمارة فيه بواسطة ضعفها مثلا حيث إنّ المناط في الترجيح على تقديره هو الأقربية وهو حاصل في الظنّ القويّ أيضا لو لم نقل بكونه أزيد.
وتوضيحه : أنّ كون الظنّ مظنون الاعتبار إنّما هو جهة ترجيحه على ما قرّرنا أنّه مجمع الظنّين وحائز المرتبتين ، وعلى تقديره يكون أقرب الوصول إلى الواقع ؛ لأنّ
__________________
(١) « ل » : بما يحتمله.