من غير ملاحظة لزوم العسر على تقديره هو إتيان كلّ ما يحتمل الوجوب ولو وهما ، وترك كلّ ما يحتمل الحرمة كذلك ، ولمّا أنّ الاحتياط على هذا الوجه يوجب العسر الشديد ويورث الحرج الأكيد كما مرّ ، فاللازم هو التبعيض بين الاحتمالات التي يقع الاحتياط فيها على وجه يرفع العسر لا على وجه يبطل الاحتياط بالكلّية ، لعدم ما يقضي (١) بالإبطال لذلك ، فعلى هذا لا بدّ أوّلا من ترك الاحتمالات الوهمية التي خلافها مظنون بالظنّ الاطمئناني ، فإن بقي بعد ذلك محذور كما هو كذلك ، فلا بدّ من ترك الموهومات برمّتها ، فإنّها أولى بالترك ، كما يستقلّ به العقل ، فلا مناص حينئذ من إعمال الاحتياط في سلسلتي المظنون والمشكوك ، فإن لزم بعد ذلك عسر ـ كما ادّعاه بعضهم ـ كان الواجب ترك المشكوك أيضا إلاّ أنّه لا يخفى فساد هذا التوهّم ؛ إذ قلّما توجد واقعة مشكوكة يساوي (٢) طرفاها من غير حصول مزيّة لأحد طرفيها للفقيه في مقام الاستنباط ، فدعوى لزوم العسر على تقدير إلحاق المشكوكات بالمظنونات في إتيان الواجب وترك الحرام مجرّد مكابرة بعد ما عرفت من أنّها موارد قليلة لا تكاد توجد.
اللهمّ إلاّ أن يتمسّك بالإجماع في عدم لزوم الاحتياط فيها كما يظهر من ملاحظة طريقة السلف ، ومزاولة وظيفة الخلف كما تقدّم ، فعلى هذا لا وجه لترك الاحتياط في سلسلة المظنونات بجميعها ؛ لوجود المقتضي للاحتياط ورفع المانع عنه ، فإنّ العسر إنّما كان مانعا عنه فيما يلزم الحرج ، وأمّا في غيره ، فلا وجه في منعه ، ويبقى على ما هو قضية القاعدة أوّلا ومقتضاه حجّية كلّ ظنّ حصل في كلّ مورد من الموارد الفرعية كما هو كذلك بناء على ما تخيّله المحقّق القمّي ، ونسب إلى صاحب المعالم والمحقّق البهائي ، فبطلان الاحتياط على وجه العموم يقضي بحجّية الظنّ في موارده على وجه العموم.
__________________
(١) « ش » : يفضي.
(٢) في النسختين : تساوى.