الثالث : إقدام على إعمال دليل موهون فيما يتوهّم وجود المانع عنه كما إذا كان عامّا نالت يد التخصيص إليه كثيرا ، وعلى التقادير ، فالجابر تارة فهم المشهور من اللفظ بعد استنادهم إليه ، وأخرى قيام الشهرة منهم موافقا لأحد الوجوه الثلاثة من غير استنادهم في فتاويهم إلى اللفظ.
فعلى الأوّل لا وجه للانجبار فيما إذا حمل اللفظ على معنى غير متداول الاستعمال فيه ؛ لأنّ الأصول اللفظية بعد قيام الدليل على اعتبارها كالأصول العملية لا يقاومها إلاّ ما ثبت كونه معتبرا ، والمفروض عدم ثبوت اعتبار فهم المشهور في قبال أصالة الحقيقة مثلا ، وكما أنّ أصالة البراءة لا تزيلها الشهرة ، فكذا أصالة الحقيقة لا تدفع بأمثالها.
فإن قلت : إنّ استناد المشهور إلى رواية غير ظاهرة الدلالة على ما أفتوا به يكشف عن قرينة قائمة دالّة عليه دلالة واضحة تامّة كما أنّ الشهرة فيما إذا انعقدت على فتوى تكشف عن أمارة دالّة عليه عند المشهور.
قلت : لا كلام فيما إذا كشفت (١) عن القرينة كشفا قطعيا ، فإنّه ليس وراء عبّادان قرية ، وإنّما الشأن فيما إذا كان ظنّيا ، فإنّ مرجع الظنّ بإرادة المعنى الذي فهمه المشهور إلى الظنّ بوجود القرينة ، ولا دليل على حجّية الظنّ كما هو المفروض سيّما بعد دلالة الأصول التعبّدية بخلافه ، هذا فيما إذا حمل اللفظ على معنى غير متعارف استعماله فيه.
وأمّا إذا ترك المعنى المتعارف بعد إعراض المشهور عنه فإن قلنا بأنّ الدليل الدالّ على حجّية الظواهر يعمّ ما إذا كان المشهور على خلافها أيضا ، فلا عبرة بالشهرة لعين ما عرفت آنفا ، وإلاّ يعوّل بعدم حجّية الظواهر بعد إعراض المشهور ، ولك إرجاع هذا القسم إلى القسم الأوّل كما لا يخفى.
وأمّا الإقدام على إجمال الدليل بعد ضعفه لاحتمال وجود المانع ، فلا نضايق القول
__________________
(١) « ش » : انكشفت.