بأنّ الشهرة واستناد الأصحاب إليه يوجب كسر جبره ، فيصحّ التعويل عليه كما ترى في عمومات كثيرة مثل قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(١) و « لا ضرر » ونحوهما إلاّ أنّه لا يخفى عدم تحقّق الجبر حقيقة في المقام ؛ لأنّ الجبر على ما عرفت ينبغي أن يكون بوجه يوجب اقتضاء المقتضي ، أو رفع المانع منه ، وفي المقام ليس شيء منهما.
أمّا الأوّل ، فواضح.
وأمّا الثاني ، فلأنّ كثرة التخصيص مثلا لو كان (٢) على وجه يوجب إجمال اللفظ في محلّ الاستدلال ، فلا شكّ أنّ الشهرة بعد عدم اعتبارها لا تصير قرينة معيّنة ؛ لأنّ كون الشيء قرينة يحتاج إلى دليل قطعي عرفا أو شرعا والمفروض انتفاؤه ، وإلاّ فلا وجه لإهماله وللاستناد إلى فهم المشهور.
نعم ، ربّما يحدث في النفس نوع حزازة عند التمسّك به فيما لم يستند إليه المشهور ، وبعد الاستناد يكشف عن عدم الحزازة واقعا ، فيطمئنّ النفس عند التمسّك به كما لا يخفى ، ومنه يظهر الحال على التقيّد الثاني بأقسامه الثلاثة ، فتدبّر. هذا هو الكلام في الجبر بظنّ لم يقم على عدم اعتباره دليل.
وأمّا الجبر بما قام الدليل على عدم اعتباره كالقياس عند من لا يرى حجّية مطلق الظنّ ، فالحقّ أنّه لا يصلح له ؛ لأنّ المستفاد من أخبار القياس ولو بعمومها وإطلاقها عدم جواز الركون إليه مطلقا وعدم ترتّب حكم شرعي بواسطته ، فإنّه عليهالسلام قال : « من قاس شيئا من الدين ، قرنه الله مع إبليس في جهنّم » (٣) ولا شكّ أنّ الجبر ممّا ترتّب عليه أثر شرعي ، كيف والمعلول إنّما يستند في العادة إلى الأخير من أجزاء علّته التامّة ، فالحكم المستند إلى المجبور بالقياس إنّما يتمّ بعد انجباره به ، فالاستناد إليه حقيقة سواء كان في جبر السند أو الدلالة.
__________________
(١) المائدة : ١.
(٢) كذا.
(٣) الوسائل ٢٧ : ٤٧ ، باب ٦ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٦.