أمّا الأوّل ، فلأنّ القياس في واقعة النبيذ والخمر مثلا لا ربط له بصدور خبر النبيذ عن الإمام إلاّ بعد حصول الظنّ منه بأنّ النبيذ أيضا حرام قياسا على الخمر وهو يلازم الظنّ بصدور خبر عن الإمام يطابق مضمون القياس نظرا إلى أنّ الحكم في كلّ واقعة مثلا صادر عنهم ، والظنّ بصدور الخبر عن الإمام إنّما نشأ من الظنّ القياسي ، وإعماله يوجب إعمال القياس.
فإن قلت : القدر المتيقّن من الدليل هو عدم جواز الأخذ بالظنّ الحاصل من القياس بنفسه من غير واسطة ، ولا دليل على بطلان ما يتولّد منه ، فيصحّ التعويل عليه.
قلت : ذلك مجرّد تغيّر في العبارة مع العلم باتّحاد المطلب ؛ لأنّ المستند إلى المستند إلى الشيء مستند إلى ذلك الشيء سيّما بعد الإطلاق في منع العمل به ، ولو كان كما زعم ، لصحّ (١) التعويل عليه عند القائل بحجّية الظنّ مطلقا في نفس الأحكام الشرعية ؛ لأنّ قياس النبيذ على الخمر يكشف كشفا ظنّيا عن وجود خبر عن المعصوم كما في الإجماع المنقول ، أو الشهرة على تقدير الكشف ، مع أنّ من المعلوم عدم جواز الاستناد إليه عند الكلّ ، وبالجملة ، فالأمر واضح.
وأمّا الثاني ، فالأمر فيه واضح بعد ما عرفت من عدم الانجبار بالظنّ الذي لم يقم دليل على اعتباره بجميع أقسامه حتّى القسم الأخير كما عرفت من حرمة الاستناد إليه مطلقا ، وأمّا على القول بحجّية مطلق الظنّ ، فلا يعقل جبر القياس بشيء ؛ إذ بالقياس في واقعة النبيذ يصير الخبر الدالّ على حرمته مظنون الصدور إلاّ أنّه لا يفيد ظنّا آخر بعد ما صار نفس الحكم المدلول عليه بالخبر مظنونا ؛ لامتناع تحصيل الحاصل.
المقام الثاني في أنّ الظنّ على احتماليه يمكن أن يكون موهنا لدليل على وجه يخرجه عن الحجّية ، أو لا؟
__________________
(١) « ل » : يصحّ.