الموردين فيه كما عرفت.
ثمّ إنّ هناك أصولا أخر كأصالة الأقلّ عند الشكّ بينه وبين الأكثر وأصالة العدم وعدم الدليل دليل العدم لا بأس بالتنبيه على النسبة بينها ، فنقول :
أمّا أصالة الأقلّ ، فهو أخصّ مطلقا من أصالة البراءة لكونها من أفرادها ، وقد يؤخذ من أصالة العدم ، فهي إذا شعبة من شعبها.
وأمّا عدم الدليل دليل العدم ، فهو أعمّ مطلقا من البراءة ؛ لاختصاصها بالأحكام الشرعية التكليفية وجريانه في غيرها (١) أيضا ، فإنّ عدم الدليل على ثبوت الوضع في الألفاظ ، أو على النبوّة مثلا دليل على عدم (٢) الوضع والنبوّة ، وعدم الدليل على الوجوب دليل على عدم الوجوب ، ولا فرق في ذلك بين موارده. وهذا (٣) بناء على ما هو التحقيق من أنّ النافي يحتاج إلى دليل مثبت للنفي ؛ إذ القضايا المطلوبة إثبات نسبها في الواقع لا تنحصر في الموجبات ، فإنّ السوالب أيضا أحكام محتاجة إلى الإثبات (٤).
نعم ، المانع المردّد الشاكّ الذي لا يجزم بأحد طرفي الخلاف لا يحتاج إلى الدليل ، وأمّا على ما توهّمه بعضهم من عدم الاحتياج إلى الدليل في النفي ، أو على التفصيل بين العقليات والشرعيات ـ كما نقله الشيخ في العدّة (٥) وابن زهرة في أصول الغنية (٦) ـ فلا مورد لهذا الأصل أصلا على أحد الوجهين ، ويختصّ بالشرعيات على الآخر كما لا يخفى.
لكن ينبغي أن يعلم أنّ عدم الدليل دليل العدم قد (٧) يفيد القطع كما إذا كان المدلول ممّا لا يتحقّق بدون دلالة دليل عليه كالأحكام التكليفية المنجّزة في رقاب العباد ، فإنّ الوجوب الفعلي تحقّقه مشروط بالعلم ، فعدم ما يدلّ عليه في الحقيقة دليل على عدمه
__________________
(١) « س » : غيره.
(٢) « م » : العدم!
(٣) « ج » : ـ وهذا.
(٤) « ج » : إثباتها.
(٥) نقله عن قوم الطوسي في عدّة الأصول ٢ : ٧٥٢.
(٦) الغنية المطبوع في الجوامع الفقهية : ٥٤٨.
(٧) « م » : « فلا » بدل : « قد »!