الجهة المذكورة في الاستصحاب ؛ فإنّ الاستصحاب عبارة عن الحكم بوجود شيء في الزمن اللاحق تعويلا على ثبوته في السابق على ما عرّفه جماعة (١) ، فالحكم في الاستصحاب إنّما هو بواسطة ملاحظة وجوده في السابق ، وفي البراءة يكفي في نفي الحكم نفس الشكّ فيه ، ومجرّد عدم العلم بالتكليف كاف في الحكم بالبراءة من غير أن يكون منوطا بملاحظة ثبوت الحكم في الزمن السابق بل ولو فرض استناد الحكم بوجوده في السابق لا يسمّى من هذه الجهة بالبراءة ولهذا ترى صاحب المعالم (٢) نسب إلى المحقّق قول المرتضى في الاستصحاب مع أنّه في المعتبر (٣) يقول باعتبار البراءة الأصلية ، وعدم الدليل دليل العدم بعد تقسيم مطلق الاستصحاب إلى الأقسام الثلاثة.
وبالجملة ، فالحكم في البراءة إنّما هو باعتبار مجرّد الشكّ في التكليف ، فلو فرض عدم وجود الزمان أيضا ، جاز الاستناد إليها في محلّه.
وأمّا الاستصحاب ، فالحكم فيه إنّما هو بواسطة التعويل على ثبوته في الزمن السابق ، فلا وجه لإرادته في هذا المقام.
نعم ، موارد البراءة من موارد الاستصحاب أيضا وذلك لا يقضي بصحّة إرادته في هذا التركيب كما لا يخفى ، فإنّ الشيخ بنى في العدّة (٤) على مثل ذلك في الردّ على من زعم الحكم بإمضاء الصلاة للمتيمّم فيما لو وجد الماء في الأثناء ، فإنّه يحكم بالإمضاء لعدم دليل على وجوب النقض لا للاستصحاب وإن كان المورد ممّا يصحّ التمسّك به على القول به.
وأمّا عدّهم البراءة الأصلية من أقسام الاستصحاب ، فإنّما هو بواسطة اتّحاد
__________________
(١) عرّفه الخوانساري في مشارق الشموس : ٧٦ ناسبا له إلى الأصوليين كما سيأتي في أوّل مبحث الاستصحاب.
(٢) معالم الدين : ٢٣٥.
(٣) المعتبر في شرح المختصر ١ : ٣٢.
(٤) عدّة الأصول ٢ : ٧٥٦.